ذِكْرُ وِلَايَةِ عُمَرَ بْنِ مِهْرَانَ مِصْرَ.
وَفِيهَا عَزَلَ الرَّشِيدُ مُوسَى بْنَ عِيسَى عَنْ مِصْرَ، وَرَدَّ أَمْرَهَا إِلَى جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا جَعْفَرٌ عُمَرَ بْنَ مِهْرَانَ.
وَكَانَ سَبَبُ عَزْلِهِ أَنَّ الرَّشِيدَ بَلَغَهُ أَنَّ مُوسَى عَازِمٌ عَلَى الْخَلْعِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَعْزِلُهُ إِلَّا بِأَخَسَّ مَنْ عَلَى بَابِي! فَأَمَرَ جَعْفَرًا، فَأَحْضَرَ عُمَرَ بْنَ مِهْرَانَ، وَكَانَ أَحْوَلَ، مُشَوَّهَ الْخَلْقِ، وَكَانَ لِبَاسُهُ خَسِيسًا، وَكَانَ يُرْدِفُ غُلَامَهُ خَلْفَهُ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: أَتَسِيرُ إِلَى مِصْرَ أَمِيرًا؟ قَالَ: أَتَوَلَّاهَا عَلَى شَرَائِطَ، إِحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ إِذْنِي إِلَى نَفْسِي، إِذَا أَصْلَحْتُ الْبِلَادَ انْصَرَفْتُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ.
فَسَارَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهَا أَتَى دَارَ مُوسَى فَجَلَسَ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَلَمَّا تَفَرَّقُوا قَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ! ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهِ الْكُتُبَ، فَلَمَّا قَرَأَهَا قَالَ: هَلْ يَقْدَمُ أَبُو حَفْصٍ، أَبْقَاهُ اللَّهُ؟ قَالَ: أَنَا أَبُو حَفْصٍ، قَالَ مُوسَى: لَعَنَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ حَيْثُ قَالَ: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف: ٥١] ، ثُمَّ سَلَّمَ لَهُ الْعَمَلَ.
فَتَقَدَّمَ عُمَرُ إِلَى كَاتِبِهِ أَنْ لَا يَقْبَلَ هَدِيَّةً إِلَّا مَا يَدْخُلُ فِي الْكِيسِ، فَبَعَثَ النَّاسُ بِهَدَايَاهُمْ، فَلَمْ يَقْبَلْ دَابَّةً، وَلَا جَارِيَةً، وَلَمْ يَقْبَلْ إِلَّا الْمَالَ وَالثِّيَابَ، فَأَخَذَهَا، وَكَتَبَ عَلَيْهَا أَسْمَاءَ أَصْحَابِهَا، وَتَرَكَهَا.
وَكَانَ أَهْلُ مِصْرَ قَدِ اعْتَادُوا الْمَطْلَ بِالْخَرَاجِ، وَكَسْرَهُ، فَبَدَأَ عُمَرُ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ فَطَالَبَهُ بِالْخَرَاجِ، فَلَوَاهُ، فَأَقْسَمَ أَنْ لَا يُؤَدِّيَهُ إِلَّا بِمَدِينَةِ السَّلَامِ، فَبَذَلَ الْخَرَاجَ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ، وَحَمَلَهُ إِلَى بَغْدَاذَ فَأَدَّى الْخَرَاجَ بِهَا، فَلَمْ يَمْطُلْهُ أَحَدٌ، فَأَخَذَ النَّجْمَ الْأَوَّلَ، وَالنَّجْمَ الثَّانِيَ، فَلَمَّا كَانَ النَّجْمُ الثَّالِثُ وَقَعَتِ الْمُطَاوَلَةُ وَالْمَطْلُ وَشَكَوُا الضِّيقَ، فَأَحْضَرَ تِلْكَ الْهَدَايَا وَحَسَبَهَا لِأَرْبَابِهَا، وَأَمَرَهُمْ بِتَعْجِيلِ الْبَاقِي، فَأَسْرَعُوا فِي ذَلِكَ، فَاسْتَوْفَى خَرَاجَ مِصْرَ عَنْ آخِرِهِ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ غَيْرُهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَغْدَاذَ.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بِدِمَشْقَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ هَاجَتِ الْفِتْنَةُ بِدِمَشْقَ بَيْنَ الْمُضَرِيَّةِ وَالْيَمَانِيَّةِ، وَكَانَ رَأْسَ الْمُضَرِيَّةِ أَبُو الْهَيْذَامِ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمٍ النَّاعِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَارِجَةَ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute