فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: كَيْفَ لَا يَكْذِبُ عَلَيَّ مِنْ خَلْفِي [وَهُوَ] يَبْهَتُنِي فِي وَجْهِي؟
فَقَالَ الرَّشِيدُ: فَهَذَا ابْنُكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يُخْبِرُنِي بِعُتُوِّكَ، وَفَسَادِ نِيَّتِكَ، وَلَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَحْتَجَّ عَلَيْكَ لَمْ أَجِدْ أَعْدَلَ مِنْ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ لَكَ، فَلِمَ تَدْفَعُهُمَا عَنْكَ؟
فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: هُوَ مَأْمُورٌ، أَوْ عَاقٌّ مَجْبُورٌ، فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا فَمَعْذُورٌ، وَإِنْ كَانَ عَاقًّا فَفَاجِرٌ كَفُورٌ، أَخْبَرَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِعَدَاوَتِهِ، وَحَذَّرَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: ١٤] فَنَهَضَ الرَّشِيدُ وَهُوَ يَقُولُ: مَا أَمْرُكَ إِلَّا قَدْ وَضَحَ، وَلَكِنِّي لَا أَعْجَلُ، حَتَّى أَعْلَمَ الَّذِي يُرْضِي اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيكَ، فَإِنَّهُ الْحَكَمُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ.
فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: رَضِيتُ بِاللَّهِ حَكَمًا، وَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَاكِمًا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُؤْثِرَ هَوَاهُ عَلَى رِضَى رَبِّهِ.
وَأَحْضَرَهُ الرَّشِيدُ يَوْمًا آخَرَ، فَكَانَ مِمَّا قَالَ لَهُ: أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادِ
ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى شُؤْبُوبِهَا قَدْ هَمَعَ، وَعَارَضِهَا قَدْ لَمَعَ، وَكَأَنِّي بِالْوَعِيدِ قَدْ أَوْرَى زِنَادًا يَسْطَعُ، فَأَقْلَعَ عَنْ بَرَاجِمَ بِلَا مَعَاصِمَ، وَرُءُوسٍ بِلَا غَلَاصِمَ، فَمَهْلًا مَهْلًا بَنِي هَاشِمٍ، فَبِي وَاللَّهِ سُهِّلَ لَكُمُ الْوَعِرُ، وَصَفَا لَكُمُ الْكَدِرُ، وَأَلْقَتْ إِلَيْكُمُ الْأُمُورُ أَزِمَّتَهَا، فَنَذَارِ لَكُمْ نَذَارِ قَبْلَ حُلُولِ دَاهِيَةٍ، خَبُوطٍ بِالْيَدِ، لَبُوطٍ بِالرِّجْلِ.
فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: اتَّقِ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا وَلَّاكَ مِنْ رَعِيَّتِهِ الَّتِي اسْتَرْعَاكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute