وَيَنْظُرَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَيُوَظِّفَهُ لَهُ، فَفَعَلَ.
وَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الْمَلِكِ مَحْبُوسًا حَتَّى مَاتَ الرَّشِيدُ، فَأَخْرَجَهُ الْأَمِينُ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الشَّامِ، فَأَقَامَ بِالرَّقَّةِ، وَجَعَلَ لِمُحَمَّدٍ الْأَمِينِ عَهْدَ اللَّهِ لَئِنْ قُتِلَ وَهُوَ حَيٌّ لَا يُعْطِي الْمَأْمُونَ طَاعَةً أَبَدًا، فَمَاتَ قَبْلَ الْأَمِينِ، وَكَانَ مَا قَالَ لِلْأَمِينِ: إِنْ خِفْتَ فَالْجَأْ إِلَيَّ فَوَاللَّهِ لَأَصُونَنَّكَ.
وَقَالَ الرَّشِيدُ يَوْمًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ: مَا أَنْتَ لِصَالِحٍ! قَالَ: فَلِمَنْ أَنَا؟ قَالَ: لِمَرْوَانَ الْجَعْدِيِّ. قَالَ: مَا أُبَالِي أَيُّ الْفَحْلَيْنِ غَلَبَ عَلَيَّ.
وَأَرْسَلَ الرَّشِيدُ يَوْمًا إِلَى يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ: إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَرَادَ الْخُرُوجَ عَلَيَّ وَمُنَازَعَتِي فِي الْمُلْكِ، وَعَلِمْتُ ذَلِكَ، فَأَعْلِمْنِي مَا عِنْدَكَ فِيهِ، فَإِنَّكَ إِنْ صَدَقْتَنِي أَعَدْتُكَ إِلَى حَالِكِ.
فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا اطَّلَعْتُ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَلَوِ اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ لَكُنْتُ صَاحِبَهُ دُونَكَ، لِأَنَّ مُلْكَكَ كَانَ مُلْكِي، وَسُلْطَانَكَ كَانَ سُلْطَانِي، وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ كَانَ فِيهِ عَلَيَّ وَلِيَّ، وَكَيْفَ يَطْمَعُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي ذَلِكَ مِنِّي، وَهَلْ كَانَ إِذَا فَعَلْتُ بِهِ ذَلِكَ، يَفْعَلُ مَعِي أَكْثَرَ مِنْ فِعْلِكَ؟ وَأُعِيذُكَ بِاللَّهِ أَنْ تَظُنَّ بِي هَذَا الظَّنَّ، وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُحْتَمَلًا يَسُرُّنِي أَنْ يَكُونَ فِي أَهْلِكَ مِثْلُهُ، فَوَلَّيْتَهُ لَمَّا حَمِدْتَ أَثَرَهُ وَمَذْهَبَهُ، وَمِلْتَ إِلَيْهِ لِأَدَبِهِ وَاحْتِمَالِهِ.
فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُولُ بِهَذَا أَعَادَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: إِنْ أَنْتَ لَمْ تُقِرَّ عَلَيْهِ قَتَلْتُ الْفَضْلَ ابْنَكَ.
فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ مُسَلَّطٌ عَلَيْنَا، فَافْعَلْ مَا أَرَدْتَ. فَأَخَذَ الرَّسُولُ الْفَضْلَ فَأَقَامَهُ، فَوَدَّعَ أَبَاهُ وَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ رَاضِيًا عَنِّي؟ قَالَ: بَلَى، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ. فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا جَمَعَهُمَا.
ذِكْرُ غَزْوِ الرُّومِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ دَخَلَ الْقَاسِمُ بْنُ الرَّشِيدِ أَرْضَ الرُّومِ فِي شَعْبَانَ، فَأَنَاخَ عَلَى قُرَّةَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute