هِيرُودَسُ، فَإِنَّ الْيَهُودَ أَغْرَوْهُ بِقَتْلِهِ، فَسَارُوا إِلَى مِصْرَ وَأَقَامُوا بِهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَى أَنْ مَاتَ ذَلِكَ الْمَلِكُ، وَعَادُوا إِلَى الشَّامِ، وَقِيلَ: إِنَّ هِيرُودَسُ لَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ بِهِ إِلَّا بَعْدَ رَفْعِهِ، وَإِنَّمَا خَافُوا الْيَهُودَ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ نُبُوَّةِ الْمَسِيحِ وَبَعْضِ مُعْجِزَاتِهِ
لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ بِمِصْرَ نَزَلَتْ عَلَى دِهْقَانَ، وَكَانَتْ دَارُهُ يَأْوِي إِلَيْهَا الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، فَسُرِقَ لَهُ مَالٌ، فَلَمْ يَتَّهِمِ الْمَسَاكِينَ، فَحَزِنَتْ مَرْيَمُ فَلَمَّا رَأَى عِيسَى حُزْنَ أُمِّهِ قَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ أَدُلَّهُ عَلَى مَالِهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّهُ أَخْذَهُ الْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ، اشْتَرَكَا فِيهِ، حَمَلَ الْأَعْمَى الْمُقْعَدَ فَأَخَذَهُ، فَقِيلَ لِلْأَعْمَى لِيَحْمِلَ الْمُقْعَدَ، فَأَظْهَرَ الْعَجْزَ، فَقَالَ لَهُ الْمَسِيحُ: كَيْفَ قَوِيتَ عَلَى حَمْلِهِ الْبَارِحَةَ لَمَّا أَخَذْتُمَا الْمَالَ؟ فَاعْتَرَفَا وَأَعَادَاهُ.
وَنَزَلَ بِالدِّهْقَانِ أَضْيَافٌ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ شَرَابٌ، فَاهْتَمَّ لِذَلِكَ، فَلَمَّا رَآهُ عِيسَى دَخَلَ بَيْتًا لِلدِّهْقَانِ فِيهِ صَفَّانِ مِنْ جِرَارٍ فَأَمَرَّ عِيسَى يَدَهُ عَلَى أَفْوَاهِهَا وَهُوَ يَمْشِي، فَامْتَلَأَتْ شَرَابًا، وَعُمُرُهُ حِينَئِذٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً.
وَكَانَ فِي الْكُتَّابِ يُحَدِّثُ الصِّبْيَانَ بِمَا يَصْنَعُ أَهْلُوهُمْ وَبِمَا كَانُوا يَأْكُلُونَ.
قَالَ وَهْبٌ: بَيْنَمَا عِيسَى يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ إِذْ وَثَبَ غُلَامٌ عَلَى صَبِيٍّ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ فَقَتَلَهُ فَأَلْقَاهُ بَيْنَ رِجْلَيِ الْمَسِيحِ مُتَلَطِّخًا بِالدَّمِ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَقَالُوا: قَتَلَ صَبِيًّا، فَسَأَلَهُ الْحَاكِمُ، فَقَالَ: مَا قَتَلْتُهُ. فَأَرَادُوا أَنْ يَبْطِشُوا بِهِ، فَقَالَ: إِيتُونِي بِالصَّبِيِّ حَتَّى أَسْأَلَهُ مَنْ قَتَلَهُ، فَتَعَجَّبُوا مِنْ قَوْلِهِ، وَأَحْضَرُوا عِنْدَهُ الْقَتِيلَ، فَدَعَا اللَّهَ فَأَحْيَاهُ، فَقَالَ: مَنْ قَتَلَكَ؟ فَقَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ، يَعْنِي الَّذِي قَتَلَهُ. فَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِلْقَتِيلِ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ مَاتَ الْغُلَامُ مِنْ سَاعَتِهِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: سَلَّمَتْ مَرْيَمُ عِيسَى إِلَى صَبَّاغٍ يَتَعَلَّمُ عِنْدَهُ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَ الصَّبَّاغِ ثِيَابٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute