أَحِينَ دَنَا مَا كُنْتُ أَرْجُو دُنُوَّهُ ... رَمَتْنِي عُيُونُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
فَأَصْبَحْتُ مَرْحُومًا وَكُنْتُ مُحَسَّدًا ... فَصَبْرًا عَلَى مَكْرُوهِ تِلْكَ الْعَوَاقِبِ
سَأَبْكِي عَلَى الْوَصْلِ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا ... وَأَنْدُبُ أَيَّامَ السُّرُورِ الذَّوَاهِبِ
قَالَ سَهْلُ بْنُ صَاعِدٍ: كُنْتُ عِنْدَ الرَّشِيدِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَدَعَا بِمِلْحَفَةٍ غَلِيظَةٍ، فَاحْتَبَى بِهَا، وَجَعَلَ يُقَاسِي مَا يُقَاسِي، فَنَهَضْتُ، فَقَالَ: اقْعُدْ. فَقَعَدْتُ طَوِيلًا لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ، فَنَهَضْتُ، فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَهْلُ؟ فَقُلْتُ: (مَا يَسَعُ قَلْبِي [أَنْ أَرَى] أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُعَانِي مِنَ الْمَرَضِ مَا يُعَانِي) ، فَلَوِ اضْطَجَعْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ [كَانَ أَرْوَحَ] . فَضَحِكَ ضِحْكَ صَحِيحٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا سَهْلُ، اذْكُرْ فِي هَذِهِ الْحَالِ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَإِنِّي مِنْ قَوْمٍ كِرَامٍ يَزِيدُهُمْ ... شِمَاسًا وَصَبْرًا شِدَّةُ الْحَدَثَانِ
ثُمَّ مَاتَ.
وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ صَالِحٌ، وَحَضَرَ وَفَاتَهُ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ، وَمِنْ خَدَمِهِ مَسْرُورٌ وَحُسَيْنٌ وَرَشِيدٌ.
وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَشَهْرَيْنِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ: مَلَكَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَشَهْرًا وَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَكَانَ عُمْرُهُ سَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ.
وَكَانَ جَمِيلًا، وَسِيمًا، أَبْيَضَ، جَعْدًا قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ.
قَالَ: وَكَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَمَّا تُوُفِّيَ تِسْعُمِائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ وَنَيِّفٌ.
ذِكْرُ وُلَاةِ الْأَمْصَارِ أَيَّامَ الرَّشِيدِ
وُلَاةُ الْمَدِينَةِ: إِسْحَاقُ [بْنُ عِيسَى] بْنِ عَلِيٍّ، عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ صَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute