فَقَدْ ضَيَّقُوا مِنْ أَرْضِنَا كُلَّ وَاسِعٍ ... وَصَارَ لَهُمْ أَهْلٌ بِهَا وَتَعَرُّصُ
يُثِيرُونَ بِالطَّبْلِ الْقَنِيصَ، فَإِنْ بَدَا ... لَهُمْ وَجْهُ صَيْدٍ مِنْ قَرِيبٍ تَقَنَّصُوا
لَقَدْ أَفْسَدُوا شَرْقَ الْبِلَادِ وَغَرْبَهَا ... عَلَيْنَا فَمَا نَدْرِي إِلَى أَيْنَ نَشْخَصُ
إِذَا حَضَرُوا قَالُوا بِمَا يَعْرِفُونَهُ ... وَإِنْ لَمْ يَرَوْا شَيْئًا قَبِيحًا تَخَرَّصُوا
وَمَا قَتَلَ الْأَبْطَالَ مِثْلُ مُجَرَّبٍ ... رَسُولِ الْمَنَايَا لَيْلَهُ يَتَلَصَّصُ
فِي أَبْيَاتٍ غَيْرِهَا.
فَلَمَّا رَأَى طَاهِرٌ أَنَّ جَمِيعَهُ لَا يَحْفَلُونَ بِهِ، أَمَرَ بِمَنْعِ التُّجَّارِ عَنْهُمْ، وَمَنْعِ مَنْ حَمَلَ الْأَقْوَاتَ وَغَيْرَهَا، وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ، وَصَرَفَ السُّفُنَ الَّتِي يُحْمَلُ فِيهَا إِلَى الْفُرَاتِ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ، وَصَارُوا فِي أَشَدِّ حِصَارٍ، فَأَمَرَ الْأَمِينُ بِبَيْعِ الْأَمْوَالِ وَأَخْذِهَا، وَوَكَّلَ بِهَا بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَكَانَ يَهْجُمُ عَلَى النَّاسِ فِي مَنَازِلِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، وَأُخِذُوا بِالتُّهْمَةِ وَالظِّنَّةِ.
ثُمَّ كَانَ بَيْنَهُمْ وَقْعَةٌ بِدَرْبِ الْحِجَارَةِ، قُتِلَ فِيهَا مِنْ أَصْحَابِ طَاهِرٍ خَلْقٌ كَثِيرٌ. وَوَقْعَةٌ بِالشَّمَّاسِيَّةِ خَرَجَ فِيهَا حَاتِمُ بْنُ الصَّقْرِ فِي الْعَيَّارِينَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَضَّاحِ، فَأَوْقَعُوا بِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَانْهَزَمَ عَنْهُمْ، وَغَلَبُوهُ عَلَى الشَّمَّاسِيَّةِ، فَأَتَاهُ هَرْثَمَةُ يُعِينُهُ، فَأَسَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْأَمِينِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، فَقَاتَلَ عَلَيْهِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ حَتَّى خَلَّصَهُ، وَانْهَزَمَ أَصْحَابُ هَرْثَمَةَ فَلَمْ يَرْجِعُوا يَوْمَيْنِ.
فَلَمَّا بَلَغَ طَاهِرًا مَا صَنَعُوا عَقَدَ جِسْرًا فَوْقَ الشَّمَّاسِيَّةِ، وَعَبَرَ أَصْحَابُهُ إِلَيْهِمْ، فَقَاتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ، حَتَّى رَدُّوا أَصْحَابَ الْأَمِينِ، وَأَعَادَ أَصْحَابَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَضَّاحِ إِلَى مَرَاكِزِهِمْ، وَأَحْرَقَ مَنَازِلَ الْأَمِينِ بِالْخَيْزُرَانِيَّةِ، وَكَانَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقُتِلَ مِنَ الْعَيَّارِينَ كَثِيرٌ، فَضَعُفَ أَمْرُ الْأَمِينِ، فَأَيْقَنَ بِالْهَلَاكِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute