أَصْحَابَهُ كَتَائِبَ، وَوَقَعَ الْقِتَالُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَغَلَبَهُمْ أَهْلُ الرَّبَضِ، وَأَحَاطُوا بِقَصْرِهِ، فَنَزَلَ الْحَكَمُ مِنْ أَعْلَى الْقَصْرِ، وَلَبِسَ سِلَاحَهُ، وَرَكِبَ وَحَرَّضَ النَّاسَ، فَقَاتَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ قِتَالًا شَدِيدًا.
ثُمَّ أَمَرَ ابْنَ عَمِّهِ عُبَيْدَ اللَّهِ، فَثَلَمَ فِي السُّورِ ثُلْمَةً، وَخَرَجَ مِنْهَا وَمَعَهُ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ، وَأَتَى أَهْلَ الرَّبَضِ مِنْ وَرَاءِ ظُهُورِهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا بِهِمْ، فَأَضْرَمُوا النَّارَ فِي الرَّبَضِ، وَانْهَزَمَ أَهْلُهُ، وَقُتِّلُوا مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَأَخْرَجُوا مَنْ وَجَدُوا فِي الْمَنَازِلِ وَالدُّورِ، فَأَسَرُوهُمْ، فَانْتَقَى مِنَ الْأَسْرَى ثَلَاثَمِائَةٍ مِنْ وُجُوهِهِمْ، فَقَتَلَهُمْ، وَصَلَبَهُمْ مُنَكَّسِينَ، وَأَقَامَ النَّهْبَ وَالْقَتْلَ وَالْحَرِيقَ وَالْخَرَابَ فِي أَرْبَاضِ قُرْطُبَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
ثُمَّ اسْتَشَارَ الْحَكَمُ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبْدِ الْمُغِيثِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ يُوَازِيهِ فِي قُرْبِهِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالصَّفْحِ عَنْهُمْ وَالْعَفْوِ، وَأَشَارَ غَيْرُهُ بِالْقَتْلِ، فَقَبِلَ قَوْلَهُ، وَأَمَرَ فَنُودِيَ بِالْأَمَانِ عَلَى أَنَّهُ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الرَّبَضِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَتَلْنَاهُ وَصَلَبْنَاهُ، فَخَرَجَ مَنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مُسْتَخْفِيًا، وَتَحَمَّلُوا عَلَى الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ خَارِجِينَ مِنْ حَضْرَةِ قُرْطُبَةَ بِنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، وَمَا خَفَّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَقَعَدَ لَهُمُ الْجُنْدُ وَالْفَسَقَةُ بِالْمَرَاصِدِ يَنْهَبُونَ، وَمَنِ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ قَتَلُوهُ.
فَلَمَّا انْقَضَتِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ أَمَرَ الْحَكَمُ بِكَفِّ الْأَيْدِي عَنْ حُرُمِ النَّاسِ، وَجَمَعَهُنَّ إِلَى مَكَانٍ، وَأَمَرَ بِهَدْمِ الرَّبَضِ الْقِبْلِيِّ.
وَكَانَ بَزِيعٌ مَوْلَى أُمَيَّةَ ابْنِ الْأَمِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ مَحْبُوسًا فِي حَبْسِ الدَّمِ بِقُرْطُبَةَ، فِي رِجْلَيْهِ قَيْدٌ ثَقِيلٌ، فَلَمَّا رَأَى أَهْلَ قُرْطُبَةَ قَدْ غَلَبُوا الْجُنْدَ، سَأَلَ الْحَرَسَ أَنْ يُفْرِجُوا لَهُ، فَأَخَذُوا عَلَيْهِ الْعُهُودَ إِنْ سَلِمَ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِمْ، وَأَطْلَقُوهُ، فَخَرَجَ فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا لَمْ يَكُنْ فِي الْجَيْشِ مِثْلُهُ، فَلَمَّا انْهَزَمَ أَهْلُ الرَّبَضِ عَادَ إِلَى السِّجْنِ، فَانْتَهَى خَبَرُهُ إِلَى الْحَكَمِ، فَأَطْلَقَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، (وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْوَقْعَةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ) .
ذِكْرُ الْوَقْعَةِ بِالْمَوْصِلِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْمَيْدَانِ
وَفِيهَا كَانَتِ الْوَقْعَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالْمَيْدَانِ بِالْمَوْصِلِ بَيْنَ الْيَمَانِيَّةِ وَالنِّزَارِيَّةِ، وَكَانَ سَبَبَهَا أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ نُعَيْمٍ الْبُرْجُمِيَّ صَارَ إِلَى دِيَارِ مُضَرَ، فَشَكَا الْأَزْدَ وَالْيَمَنَ، وَقَالَ: إِنَّهُمْ يَتَهَضَّمُونَنَا، وَيَغْلِبُونَنَا عَلَى حُقُوقِنَا، وَاسْتَنْصَرَهُمْ، فَسَارَ مَعَهُ إِلَى الْمَوْصِلِ مَا يُقَارِبُ عِشْرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute