وَلَمَّا بَلَغَ دَاوُدَ بْنُ عِيسَى تَوْجِيهُ أَبِي السَّرَايَا حُسَيْنَ بْنَ حَسَنٍ إِلَى مَكَّةَ لِإِقَامَةِ الْمَوْسِمِ - جَمَعَ أَصْحَابَ بَنِي الْعَبَّاسِ وَمَوَالِيَهُمْ، وَكَانَ مَسْرُورٌ الْكَبِيرٌ قَدْ حَجَّ فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ، فَتَعَبَّأَ لِلْحَرْبِ، وَقَالَ لِدَاوُدَ: أَقِمْ إِلَيَّ شَخْصَكَ، أَوْ بَعْضَ وَلَدِكَ، وَأَنَا أَكْفِيكَ، فَقَالَ: لَا أَسْتَحِلُّ الْقِتَالَ فِي الْمُحَرَّمِ، وَاللَّهِ لَئِنْ دَخَلُوهَا مِنْ هَذَا الْفَجِّ لَأَخْرُجَنَّ مِنْ غَيْرِهِ.
وَانْحَازَ دَاوُدُ إِلَى نَاحِيَةِ الْمُشَاشِ، وَافْتَرَقَ الْجَمْعُ الَّذِي كَانَ جَمَعَهُمْ، وَخَافَ مَسْرُورٌ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، فَخَرَجَ فِي أَثَرِ دَاوُدَ رَاجِعًا إِلَى الْعِرَاقِ، وَبَقِيَ النَّاسُ بِعَرَفَةَ، فَصَلَّى بِهِمْ رَجُلٌ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ بِغَيْرِ خُطْبَةٍ، وَدَفَعُوا مِنْ عَرَفَةَ بِغَيْرِ إِمَامٍ.
وَكَانَ حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ بِسَرَفَ يَخَافُ دُخُولَ مَكَّةَ، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ قَوْمٌ أَخْبَرُوهُ أَنَّ مَكَّةَ قَدْ خَلَتْ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، فَدَخَلَهَا فِي عَشْرَةِ أَنْفُسٍ، فَطَافُوا بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَمَضَوْا إِلَى عَرَفَةَ، فَوَقَفُوا لَيْلًا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ، وَأَقَامَ بِمِنًى أَيَّامَ الْحَجِّ، وَبَقِيَ بِمَكَّةَ إِلَى أَنِ انْقَضَتِ السَّنَةُ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا أَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بِالْمَدِينَةِ، حَتَّى انْقَضَتِ السَّنَةُ.
وَأَمَّا هَرْثَمَةُ فَإِنَّهُ نَزَلَ بِقَرْيَةِ شَاهِي، وَرَدَّ الْحَاجَّ، وَاسْتَدْعَى مَنْصُورَ بْنَ الْمَهْدِيِّ إِلَيْهِ، وَكَاتَبَ رُؤَسَاءَ أَهْلِ الْكُوفَةِ.
وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ فَإِنَّهُ تَوَجَّهَ مِنَ الْمَدَائِنِ إِلَى وَاسِطٍ، فَأَخَذَهَا، وَتَوَجَّهَ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهَا هَذِهِ السَّنَةَ.
ذِكْرُ قُوَّةِ نَصْرِ بْنِ شَبَثٍ الْعُقَيْلِيِّ
وَفِيهَا قَوِيَ أَمْرُ نَصْرِ بْنِ شَبَثٍ الْعُقَيْلِيِّ بِالْجَزِيرَةِ وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَحَصَرَ حَرَّانَ، وَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ شِيعَةِ الطَّالِبِيِّينَ فَقَالُوا لَهُ: قَدْ وَتَرْتَ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَقَتَلْتَ رِجَالَهُمْ، وَأَعْلَقْتَ عَنْهُمُ الْعَرَبَ، فَلَوْ بَايَعْتَ لِخَلِيفَةٍ كَانَ أَقْوَى لِأَمْرِكَ. فَقَالَ: مِنْ أَيِّ النَّاسِ؟ فَقَالُوا: نُبَايِعُ آلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: أُبَايِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute