للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَرَكِبَ (إِلَى ابْنِهِ) وَأَخَذَ الْغُلَامَ مِنْهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى أَهْلِهِ.

وَلَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَدِمَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْعَبَّاسِيُّ مِنَ الْيَمَنِ فَنَزَلَ الْمُشَاشَ، وَاجْتَمَعَ الطَّالِبِيُّونَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَأَعْلَمُوهُ، وَحَفَرُوا خَنْدَقًا، وَجَمَعُوا النَّاسَ مِنَ الْأَعْرَابِ وَغَيْرِهِمْ، فَقَاتَلَهُمْ إِسْحَاقُ، ثُمَّ كَرِهَ الْقِتَالَ، فَسَارَ نَحْوَ الْعِرَاقِ، فَلَقِيَهُ الْجُنْدُ الَّذِينَ أَنْفَذَهُمْ هَرْثَمَةُ إِلَى مَكَّةَ، وَمَعَهُمُ الْجَلُودِيُّ وَرَجَاءُ بْنُ جَمِيلٍ، فَقَالُوا لِإِسْحَاقَ: ارْجِعْ مَعَنَا، وَنَحْنُ نَكْفِيكَ الْقِتَالَ. فَرَجَعَ مَعَهُمْ، فَقَاتَلُوا الطَّالِبِيِّينَ فَهَزَمُوهُمْ، فَأَرْسَلَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ يَطْلُبُ الْأَمَانَ، فَأَمَّنُوهُ، وَدَخَلَ الْعَبَّاسِيُّونَ مَكَّةَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ وَتَفَرَّقَ الطَّالِبِيُّونَ مِنْ مَكَّةَ.

وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فَسَارَ نَحْوَ الْجُحْفَةِ، فَأَدْرَكَهُ بَعْضُ مَوَالِي بَنِي الْعَبَّاسِ، فَأَخَذَ جَمِيعَ مَا مَعَهُ، وَأَعْطَاهُ دُرَيْهَمَاتٍ يَتَوَصَّلُ بِهَا، فَسَارَ نَحْوَ بِلَادِ جُهَيْنَةَ، فَجَمَعَ بِهَا، وَقَاتَلَ هَارُونَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَالِيَ الْمَدِينَةِ، عِنْدَ الشَّجَرَةِ وَغَيْرِهَا، عِدَّةَ دَفَعَاتٍ، فَانْهَزَمَ مُحَمَّدٌ، وَفُقِئَتْ عَيْنُهُ بِنُشَّابَةٍ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَرَجَعَ إِلَى مَوْضِعِهِ.

فَلَمَّا انْقَضَى الْمَوْسِمُ طَلَبَ الْأَمَانَ مِنَ الْجُلُودِيِّ، وَمِنْ رَجَاءِ بْنِ جَمِيلٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ، فَأَمَّنَهُ، وَضَمِنَ لَهُ رَجَاءٌ عَنِ الْمَأْمُونِ وَعَنِ الْفَضْلِ الْوَفَاءَ بِالْأَمَانِ، فَقَبِلَ ذَلِكَ، فَأَتَى مَكَّةَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: إِنَّنِي بَلَغَنِي أَنَّ الْمَأْمُونَ مَاتَ، وَكَانَتْ لَهُ فِي عُنُقِي بَيْعَةٌ، وَكَانَتْ فِتْنَةٌ عَمَّتِ الْأَرْضَ، فَبَايَعَنِي النَّاسُ، ثُمَّ إِنَّهُ صَحَّ عِنْدِي أَنَّ الْمَأْمُونَ حَيٌّ صَحِيحٌ، وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنَ الْبَيْعَةِ، وَقَدْ خَلَعْتُ نَفْسِي مِنَ الْبَيْعَةِ الَّتِي بَايَعْتُمُونِي عَلَيْهَا، كَمَا خَلَعْتُ خَاتَمِي هَذَا مِنْ إِصْبَعِي، فَلَا بَيْعَةَ لِي فِي رِقَابِكُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>