ثُمَّ سَارَ الْمُنْهَزِمُونَ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْحَسَنِ بِوَاسِطٍ، وَرَجَعَ هَارُونُ إِلَى أَبِيهِ وَقَدِ اسْتَوْلَى عَلَى النِّيلِ، وَسَارَ مُحَمَّدٌ وَهَارُونُ نَحْوَ وَاسِطٍ، فَسَارَ الْحَسَنُ عَنْهَا، وَنَزَلَ خَلْفَهَا.
وَكَانَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ مُخْتَفِيًا كَمَا تَقَدَّمَ إِلَى الْآنِ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ بَلَغَ وَاسِطًا طَلَبَ مِنْهُ الْأَمَانَ، فَأَمَّنَهُ، وَظَهَرَ، وَسَارَ مُحَمَّدٌ إِلَى الْحَسَنِ عَلَى تَعْبِئَةٍ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ قُوَّادَهُ وَجُنْدَهُ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَثَبَتَ مُحَمَّدٌ حَتَّى جُرِحَ جِرَاحَاتٍ شَدِيدَةٍ، وَانْهَزَمُوا هَزِيمَةً قَبِيحَةً، وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَغَنِمُوا مَالَهُمْ، وَذَلِكَ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَنَزَلَ مُحَمَّدٌ بِفَمِ الصِّلْحِ، وَأَتَاهُمُ الْحَسَنُ، فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ (رَحَلَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ فَنَزَلُوا الْمَنَازِلَ، فَأَتَاهُمُ الْحَسَنُ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ) ارْتَحَلُوا، حَتَّى أَتَوْا جَبُّلَ، فَأَقَامُوا بِهَا، وَوَجَّهَ مُحَمَّدٌ ابْنَهُ عِيسَى إِلَى عُرْنَايَا، فَأَقَامَ بِهَا، وَأَقَامَ مُحَمَّدٌ بِجَرْجَرَايَا، فَاشْتَدَّتْ جِرَاحَاتُ مُحَمَّدٍ، فَحَمَلَهُ ابْنُهُ أَبُو زِنْبِيلٍ إِلَى بَغْدَاذَ، وَخَلَّفَ عَسْكَرَهُ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِر، وَمَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، فَدُفِنَ فِي دَارِهِ سِرًّا.
وَأَتَى أَبُو زِنْبِيلٍ خُزَيْمَةَ بْنَ خَازِمٍ، فَأَعْلَمَهُ حَالَ أَبِيهِ، وَأَعْلَمَ خُزَيْمَةُ ذَلِكَ النَّاسَ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدٍ إِلَيْهِ، يَبْذُلُ فِيهِ الْقِيَامَ بِأَمْرِ الْحَرْبِ مَقَامَ أَبِيهِ، فَرَضُوا بِهِ، وَصَارَ مَكَانَ أَبِيهِ، وَقَتَلَ أَبُو زِنْبِيلٍ زُهَيْرَ بْنَ الْمُسَيَّبِ مِنْ لَيْلَتِهِ، ذَبَحَهُ ذَبْحًا وَعَلَّقَ رَأْسَهُ فِي عَسْكَرِ أَبِيهِ.
وَبَلَغَ الْحَسَنَ بْنَ سَهْلٍ مَوْتُ مُحَمَّدٍ، فَسَارَ إِلَى الْمُبَارَكِ فَأَقَامَ بِهِ، وَبَعَثَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ جَيْشًا لَهُ، فَالْتَقَوْا بِأَبِي زِنْبِيلٍ بِفَمِ الصَّرَاةِ، فَهَزَمُوهُ، وَانْحَازَ إِلَى أَخِيهِ هَارُونَ بِالنِّيلِ، فَتَقَدَّمَ جَيْشُ الْحَسَنِ إِلَيْهِمْ، فَلَقُوهُمْ فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً، وَانْهَزَمَ هَارُونُ وَأَصْحَابُهُ، فَأَتَوُا الْمَدَائِنَ، وَنَهَبَ أَصْحَابُ الْحَسَنِ النِّيلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى.
وَكَانَ بَنُو هَاشِمٍ وَالْقُوَّادُ حِينَ مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالُوا: نُصَيِّرُ بَعْضَنَا خَلِيفَةً، وَنَخْلَعُ الْمَأْمُونَ. فَأَتَاهُمْ خَبَرُ هَارُونَ وَهَزِيمَتِهِ، فَجَدُّوا فِي ذَلِكَ، وَأَرْدَوْا مَنْصُورَ بْنَ الْمَهْدِيِّ عَلَى الْخِلَافَةِ فَأَبَى، فَجَعَلُوهُ خَلِيفَةً لِلْمَأْمُونِ بِبَغْدَاذَ وَالْعِرَاقِ، وَقَالُوا: لَا نَرْضَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute