مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، وَحَشَدَ فِيهَا، بِلَمِّ الشَّعْثِ، وَحَقْنِ الدِّمَاءِ، وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ.
قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: أَنَا أَوَّلُ مَقْتُولٍ لِأَنِّي لَا أَكْتُمُ الْخَبَرَ. قَالَ: فَانْصَرَفْتُ، فَاغْتَسَلْتُ غُسْلَ الْمَوْتَى، وَتَكَفَّنْتُ، وَكَتَبْتُ إِلَى الْمَأْمُونِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَصْرَ دَعَانِي، وَحَدَثَ بِهِ حَادِثٌ فِي جَفْنِ عَيْنِهِ، وَسَقَطَ مَيِّتًا، فَخَرَجَ إِلَيَّ ابْنُهُ طَلْحَةُ، قَالَ: هَلْ كَتَبْتَ بِمَا كَانَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ! قَالَ: فَاكْتُبْ بِوَفَاتِهِ! فَكَتَبْتُ بِوَفَاتِهِ، وَبِقِيَامِ طَلْحَةَ بِأَمْرِ الْجَيْشِ، فَوَرَدَتِ الْخَرِيطَةُ عَلَى الْمَأْمُونِ بِخَلْعِهِ، فَدَعَا أَحْمَدَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ، فَقَالَ: سِرْ فَأْتِ بِطَاهِرٍ كَمَا زَعَمْتَ وَضَمِنْتَ فَقَالَ: أَبِيتُ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ: لَا. فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِي الْمَبِيتِ.
(وَوَافَتِ الْخَرِيطَةُ الْأُخْرَى لَيْلًا بِمَوْتِهِ) ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: قَدْ مَاتَ طَاهِرٌ، فَمَنْ تَرَى؟ قَالَ: ابْنُهُ طَلْحَةُ. قَالَ: اكْتُبْ بِتَوْلِيَتِهِ! فَكَتَبَ بِذَلِكَ، فَأَقَامَ طَلْحَةُ وَالِيًا عَلَى خُرَاسَانَ فِي أَيَّامِ الْمَأْمُونِ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ، وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ خُرَاسَانَ.
وَلَمَّا وَرَدَ مَوْتُ طَاهِرٍ عَلَى الْمَأْمُونِ قَالَ: لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدَّمَهُ وَأَخَّرَنَا! وَكَانَ طَاهِرٌ أَعْوَرَ وَفِيهِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ:
يَا ذَا الْيَمِينَيْنِ وَعَيْنٍ وَاحِدَهْ ... نُقْصَانُ عَيْنٍ وَيَمِينٌ زَائِدَهْ
يَعْنِي أَنَّ لَقَبَهُ كَانَ ذَا الْيَمِينَيْنِ، وَكَانَتْ كُنْيَتُهُ أَبَا الطَّيِّبِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ طَاهِرًا لَمَّا مَاتَ انْتَهَبَ الْجُنْدُ بَعْضَ خَزَائِنِهِ، فَقَامَ بِأَمْرِهِمْ سَلَّامُ الْأَبْرَشُ الْخَصِيُّ، وَأَعْطَاهُمْ رِزْقَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
وَقِيلَ اسْتَعْمَلَ الْمَأْمُونُ عَلَى عَمَلِهِ جَمِيعِهِ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ، فَسَيَّرَ إِلَى خُرَاسَانَ أَخَاهُ طَلْحَةَ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بِالرَّقَّةِ عَلَى حَرْبِ نَصْرِ بْنِ شَبَثٍ، فَلَمَّا تَوَجَّهَ طَلْحَةُ إِلَى خُرَاسَانَ سَيَّرَ الْمَأْمُونُ إِلَيْهِ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ لِيَقُومَ بِأَمْرِهِ، فَعَبَرَ أَحْمَدُ إِلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَافْتَتَحَ أُشْرُوسَنَةَ، وَأَسَرَ كَاوِسَ بْنَ صَارَخْرَهْ، وَابْنَهُ الْفَضْلَ، وَبَعَثَ بِهِمَا إِلَى الْمَأْمُونِ، وَوَهَبَ طَلْحَةُ لِأَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ثَلَاثَةَ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَعُرُوضًا بِأَلْفَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَوَهَبَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَبَّاسِ كَاتِبَ أَحْمَدَ خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
ذِكْرُ مَا كَانَ مِنَ الْأَنْدَلُسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ، صَاحِبُ الْأَنْدَلُسِ، بِجُنْدِ الْبَصْرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute