فَلَمَّا أَيِسَ مِنْهُ جَاءَ إِلَى الْمَأْمُونِ فَأَخْبَرَهُ، فَاسْتَبْشَرَ وَقَالَ: ذَلِكَ غَرْسُ يَدِي، وَإِلْفُ أَدَبِي، وَتِرْبُ تَلْقِيحِي. وَلَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ، وَلَا عَلِمَهُ ابْنُ طَاهِرٍ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمَأْمُونِ، وَكَانَ هَذَا الْقَائِلُ لِلْمَأْمُونِ الْمُعْتَصِمَ، فَإِنَّهُ كَانَ مُنْحَرِفًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
ذِكْرُ قَتْلِ السَّيِّدِ بْنِ أَنَسٍ
وَفِيهَا قُتِلَ السَّيِّدُ بْنُ أَنَسٍ الْأَزْدِيُّ أَمِيرُ الْمَوْصِلِ، وَسَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّ زُرَيْقَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ صَدَقَةَ الْأَزْدِيَّ الْمَوْصِلِيَّ كَانَ قَدْ تَغَلَّبَ عَلَى الْجِبَالِ مَا بَيْنَ الْمَوْصِلِ وَأَذْرَبِيجَانَ، وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ، فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ السَّنَةَ جَمَعَ زُرَيْقٌ جَمْعًا كَثِيرًا، قِيلَ: كَانُوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى الْمَوْصِلِ لِحَرْبِ السَّيِّدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَالْتَقَوْا بِسُوقِ الْأَحَدِ، فَحِينَ رَآهُمُ السَّيِّدُ حَمَلَ عَلَيْهِمْ وَحْدَهُ، وَهَذِهِ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يَحْمِلَ وَحْدَهُ بِنَفْسِهِ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ زُرَيْقٍ، فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، لَمْ يُقْتَلْ غَيْرُهُمَا.
وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إِنْ رَأَى السَّيِّدَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ فَيَقْتُلَهُ أَوْ يُقْتَلَ دُونَهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى زُرَيْقٍ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقِيلَ لَهُ: بِأَيِّ سَبَبٍ تَأْخُذُ هَذَا الْمَالَ؟ فَقَالَ: لِأَنَّنِي مَتَى رَأَيْتُ السَّيِّدَ قَتَلْتُهُ، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ فَوَفَّى بِهِ.
فَلَمَّا بَلَغَ الْمَأْمُونَ قَتْلُهُ غَضِبَ لِذَلِكَ، وَوَلَّى مُحَمَّدَ بْنَ حُمَيْدٍ الطُّوسِيَّ حَرْبَ زُرَيْقٍ وَبَابَكَ الْخُرَّمِيِّ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَوْصِلِ.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بَيْنَ عَامِرٍ وَمَنْصُورٍ وَقَتْلِ مَنْصُورٍ بِإِفْرِيقِيَّةَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ عَامِرِ بْنِ نَافِعٍ وَبَيْنَ مَنْصُورِ بْنِ نَصْرٍ بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْصُورًا كَانَ كَثِيرَ الْحَسَدِ. . . وَسَارَ بِهِمْ مِنْ تُونُسَ إِلَى [مَنْصُورٍ] وَهُوَ بِقَصْرِهِ بِطُنْبُذَةَ، فَحَصَرَهُ، حَتَّى فَنِيَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَاءِ، فَرَاسَلَهُ مَنْصُورٌ وَطَلَبَ مِنْهُ الْأَمَانَ عَلَى أَنْ يَرْكَبَ سَفِينَةً وَيَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَشْرِقِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَخَرَجَ مَنْصُورٌ أَوَّلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute