للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَفَى شُكْرًا لِمَا أَسْدَيْتَ أَنِّي ... صَدَقْتُكَ فِي الصِّدِيقِ وَفِي عُدَاتِي

قَالَ: فَأُعْجِبَ الْمَأْمُونُ مِنْ كَلَامِهِ وَأَدَبِهِ.

وَحَجَّ بِالنَّاسِ هَذِهِ السَّنَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ.

وَفِيهَا قَتَلَ أَهْلُ مَارِدَةَ مِنَ الْأَنْدَلُسِ عَامِلَهُمْ، فَثَارَتِ الْفِتْنَةُ عِنْدَهُمْ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ جَيْشًا، فَحَصَرَهُمْ، وَأَفْسَدَ زَرْعَهُمْ وَأَشْجَارَهُمْ، فَعَاوَدُوا الطَّاعَةَ، وَأُخِذَتْ رَهَائِنُهُمْ، وَعَادَ الْجَيْشُ بَعْدَ أَنْ خَرَّبُوا سُورَ الْمَدِينَةِ.

ثُمَّ أَرْسَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَيْهِمْ بِنَقْلِ حِجَارَةِ السُّورِ إِلَى النَّهْرِ ; لِئَلَّا يَطْمَعَ أَهْلُهَا فِي عِمَارَتِهِ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ عَادُوا إِلَى الْعِصْيَانِ، وَأَسَرُوا الْعَامِلَ عَلَيْهِمْ، وَجَدَّدُوا بِنَاءَ السُّورِ وَأَتْقَنُوهُ.

فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، صَاحِبُ الْأَنْدَلُسِ، فِي جُيُوشِهِ إِلَى مَارِدَةَ، وَمَعَهُ رَهَائِنُ أَهْلِهَا، فَلَمَّا بَارَزَهَا رَاسَلَهُ أَهْلُهَا، وَافْتَكُّوا رَهَائِنَهُمْ بِالْعَامِلِ الَّذِي أَسَرُوهُ وَغَيْرِهِ، وَحَصَرَهُمْ، وَأَفْسَدَ بَلَدَهُمْ وَرَحَلَ عَنْهُمْ.

ثُمَّ سَيَّرَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ، فَحَصَرُوهَا، وَضَيَّقُوا عَلَيْهَا، وَدَامَ الْحِصَارُ، ثُمَّ رَحَلُوا عَنْهُمْ.

فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَيَّرَ إِلَيْهَا جَيْشًا، فَفَتَحَهَا، وَفَارَقَهَا أَهْلُ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ.

وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا إِنْسَانٌ اسْمُهُ مَحْمُودُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَارِدِيُّ، فَحَصَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الْجُنْدِ، وَصَدَقُوهُ الْقِتَالَ، فَهَزَمُوهُ وَقَتَلُوا كَثِيرًا مِنْ رِجَالِهِ، وَتَبِعَتْهُمُ الْخَيْلُ، فَأَفْنَوْهُمْ قَتْلًا وَأَسْرًا وَتَشْرِيدًا.

وَمَضَى مَحْمُودُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَارِدِيُّ فِيمَنْ سَلِمَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى مُنْتِ سَالُوطَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ جَيْشًا سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَمَضَوْا هَارِبِينَ عَنْهُ إِلَى حَلْقَبَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْهَا، فَأَرْسَلَ سَرِيَّةً فِي طَلَبِهِمْ، فَقَاتَلَهُمْ مَحْمُودٌ، فَهَزَمَهُمْ، وَغَنِمَ مَا مَعَهُمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>