وَأَكَبُّوا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ فَقَتَلُوهُ.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ مُمَدَّحًا جَوَّادًا، فَرَثَاهُ الشُّعَرَاءُ وَأَكْثَرُوا، مِنْهُمُ الطَّائِيُّ، فَلَمَّا وَصَلَ خَبَرُ قَتْلِهِ إِلَى الْمَأْمُونِ عَظُمَ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ عَلَى قِتَالِ بَابَكَ، فَسَارَ نَحْوَهُ.
ذِكْرُ حَالِ أَبِي دُلَفَ مَعَ الْمَأْمُونِ
كَانَ أَبُو دُلَفَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ، وَسَارَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ إِلَى حَرْبِ طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَلَمَّا قُتِلَ عَلِيٌّ عَادَ أَبُو دُلَفَ إِلَى هَمَذَانَ، فَرَاسَلَهُ طَاهِرٌ يَسْتَمِيلُهُ، وَيَدْعُوهُ إِلَى بَيْعَةِ الْمَأْمُونِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَقَالَ: إِنَّ فِي عُنُقِي بَيْعَةً لَا أَجِدُ إِلَى فَسْخِهَا سَبِيلًا، وَلَكِنِّي سَأُقِيمُ مَكَانِي لَا أَكُونُ مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ إِنْ كَفَفْتَ عَنِّي. فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَأَقَامَ بِكَرْجَ.
فَلَمَّا خَرَجَ الْمَأْمُونُ إِلَى الرَّيِّ رَاسَلَ أَبَا دُلَفَ يَدْعُوهُ إِلَيْهِ، فَسَارَ نَحْوَهُ مُجِدًّا وَهُوَ خَائِفٌ شَدِيدُ الْوَجَلِ، فَقَالَ لَهُ أَهْلُهُ وَقَوْمُهُ وَأَصْحَابُهُ: أَنْتَ سَيِّدُ الْعَرَبِ، وَكُلُّهَا تُطِيعُكَ، فَإِنْ كُنْتَ خَائِفًا فَأَقِمْ، وَنَحْنُ نَمْنَعُكَ. فَلَمْ يَفْعَلْ، وَسَارَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَجُودُ بِنَفْسِي دُونَ قَوْمِيَ دَافِعًا ... لِمَا نَابَهُمْ قِدَمًا وَأَغْشَى الدَّوَاهِيَا
وَأَقْتَحِمُ الْأَمْرَ الْمَخُوفَ اقْتِحَامُهُ ... لُأُدْرِكَ مَجْدًا أَوْ أُعَاوِدَ ثَاوِيَا
وَهِيَ أَبْيَاتٌ حَسَنَةٌ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْمَأْمُونِ أَكْرَمَهُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَأَمَّنَهُ، وَأَعْلَى مَنْزِلَتَهُ.
ذِكْرُ اسْتِعْمَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ عَلَى خُرَاسَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَعْمَلَ الْمَأْمُونُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ عَلَى خُرَاسَانَ، فَسَارَ إِلَيْهَا.
وَكَانَ سَبَبَ مَسِيرِهِ إِلَيْهَا أَنَّ أَخَاهُ طَلْحَةَ لَمَّا مَاتَ وَلِيَ خُرَاسَانَ عَلِيُّ بْنُ طَاهِرٍ خَلِيفَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute