ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ الْيُونُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَقِيَّةَ أَيَّامِ الْمَنْصُورِ، وَتُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ الْمَهْدِيِّ.
ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَهُ رِينِي امْرَأَةُ الْيُونَ بْنِ قُسْطَنْطِينَ، وَمَعَهَا ابْنُهَا قُسْطَنْطِينُ بْنُ الْيُونَ، وَهِيَ تُدَبِّرُ الْأَمْرَ بَقِيَّةَ أَيَّامِ الْمَهْدِيِّ وَالْهَادِي وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ الرَّشِيدِ. فَلَمَّا كَبِرَ ابْنُهَا أَفْسَدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّشِيدِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مُهَادِنَةً لَهُ، فَقَصَدَهُ الرَّشِيدُ وَجَرَى لَهُ مَعَهُ وَقْعَةٌ، فَانْهَزَمَ وَكَادَ يُؤْخَذُ، فَكَحَّلَتْهُ أُمُّهُ وَانْفَرَدَتْ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ خَمْسَ سِنِينَ وَهَادَنَتِ الرَّشِيدَ.
ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَهَا نَقَفُورْ، أَخَذَ الْمُلْكَ مِنْهَا، وَكَانَ مُلْكُهُ سَبْعَ سِنِينَ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَهُوَ نَقَفُورْ أَبُو اسْتَبْرَاقْ، وَكُنْتُ قَدْ رَأَيْتُهُ مَضْبُوطًا بِكَثِيرٍ مِنَ الْكُتُبِ بِسُكُونِ الْقَافِ، حَتَّى رَأَيْتُ رَجُلًا زَعَمَ أَنَّ اسْمَهُ نَقَفُورْ، بِفَتْحِ الْقَافِ.
وَعَهِدَ نَقَفُورْ إِلَى ابْنِهِ اسْتَبْرَاقْ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الرُّومِ، وَلَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ قَبْلَهُ، وَكَانَتْ مُلُوكُ الرُّومِ قَبْلَ نَقَفُورْ تَحْلِقُ لِحَاهَا، وَكَذَلِكَ مَلِكُ الْفُرْسِ، فَلَمْ يَفْعَلْهُ نَقَفُورْ. وَكَانَتْ مُلُوكُ الرُّومِ قَبْلَهُ تَكْتُبُ: مِنْ فُلَانٍ مَلِكِ النَّصْرَانِيَّةِ، فَكَتَبَ نَقَفُورْ: مِنْ فُلَانٍ مَلِكِ الرُّومِ، وَقَالَ: لَسْتُ مَلِكَ النَّصْرَانِيَّةِ كُلِّهَا.
وَكَانَتِ الرُّومُ تُسَمِّي الْعَرَبَ سَارَقْيُوسْ، يَعْنِي عَبِيدَ سَارَّةَ، بِسَبَبِ هَاجَرَ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَجَرَى بَيْنَ نَقَفُورْ وَبَيْنَ بُرْجَانْ حَرْبٌ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ فَقُتِلَ فِيهَا.
ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ اسْتَبْرَقْ بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيهِ إِلَيْهِ، وَكَانَ مُلْكُهُ شَهْرَيْنِ.
ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَهُ مِيخَائِيلُ بْنُ جِرْجِسَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ نَقَفُورْ، وَقِيلَ: ابْنُ اسْتَبْرَقَ، وَكَانَ مُلْكُهُ سَنَتَيْنِ فِي أَيَّامِ الْأَمِينِ، وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَوَثَبَ بِهِ الْيُونُ الْمَعْرُوفُ بِالْبَطْرِيقِ، وَغَلَبَ عَلَى الْأَمْرِ وَحَبَسَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute