فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَاجْتَازَ الرَّشِيدُ بِهَا، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقِيلَ: هَذَا ثَمَنُ الْجَارِيَةِ، فَاسْتَكْثَرَهَا، فَأَمَرَ بِرَدِّ الْجَارِيَةِ، وَقَالَ لِخَادِمٍ لَهُ: اضْمُمْ إِلَيْكَ هَذَا الْمَالَ، وَاجْعَلْ لِي بَيْتَ مَالٍ لِأُضَمَّ إِلَيْهِ مَا أُرِيدُ، وَسَمَّاهُ " بَيْتُ مَالِ الْعَرُوسِ "، وَأَخَذَ فِي التَّفْتِيشِ عَنِ الْأَمْوَالِ، فَوَجَدَ الْبَرَامِكَةَ قَدْ فَرَّطُوا فِيهَا.
وَكَانَ يَحْضُرُ عِنْدَهُ مَعَ سُمَّارِهِ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِأَبِي الْعَوْدِ لَهُ أَدَبٌ، فَأَمَرَ لَيْلَةً لَهُ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَمَطَلَهُ بِهَا يَحْيَى، فَاحْتَالَ أَبُو الْعَوْدِ فِي تَحْرِيضِ الرَّشِيدِ عَلَى الْبَرَامِكَةِ، وَكَانَ قَدْ شَاعَ تَغَيُّرُ الرَّشِيدِ عَلَيْهِمْ، فَبَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً عِنْدَ الرَّشِيدِ يُحَدِّثُهُ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ أَنْشَدَهُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ:
وَعَدَتْ هِنْدٌ وَمَا كَانَتْ تَعِدْ لَيْتَ ... هِنْدًا أَنْجَزَتْنَا مَا تَعِدْ
وَاسْتَبَدَّتْ مَرَّةً وَاحِدَةً ... إِنَّمَا الْعَاجِزُ مَنْ لَا يَسْتَبِدْ
فَقَالَ الرَّشِيدُ: أَجَلْ إِنَّمَا الْعَاجِزُ مَنْ لَا يَسْتَبِدُّ.
وَكَانَ يَحْيَى قَدِ اتَّخَذَ مِنْ خُدَّامِ الرَّشِيدِ خَادِمًا يَأْتِيهِ بِأَخْبَارِهِ، فَعَرَّفَهُ ذَلِكَ، فَأَحْضَرَ أَبَا الْعَوْدِ، وَأَعْطَاهُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَمِنْ عِنْدِهِ عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنَيْهِ الْفَضْلِ وَجَعْفَرٍ، فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرِينَ أَلْفًا، وَجَدَّ الرَّشِيدُ فِي أَمْرِهِمْ حَتَّى أَخَذَهُمْ، فَقَالَ الْوَاثِقُ: صَدَقَ وَاللَّهِ جِدِّي، إِنَّمَا الْعَاجِزُ مَنْ لَا يَسْتَبِدُّ، وَأَخَذَ فِي ذِكْرِ الْخِيَانَةِ وَمَا يَسْتَحِقُّ أَهْلُهَا، فَلَمْ يَمْضِ غَيْرُ أُسْبُوعٍ حَتَّى نَكَبَهُمْ.
وَفِيهَا وَلِيَ شِيرُ بَاسْبَانَ لِإِيتَاخَ الْيَمَنَ، وَسَارَ إِلَيْهَا.
وَفِيهَا تَوَلَّى مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمَدِينَةَ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute