مِنَ الْهِجْرَةِ، فَاتَّفَقَ ابْنَاهُ مَعَ قُسْطَنْطِينَ عَلَى إِزَالَةِ أَبِيهِمَا، فَدَخَلَا عَلَيْهِ وَقَبَضَاهُ، وَسَيَّرَاهُ إِلَى دَيْرٍ لَهُ فِي جَزِيرَةٍ بِالْقُرْبِ مِنَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرَادَا الْفَتْكَ بِهِ، فَسَبَقَهُمَا إِلَى ذَلِكَ وَقَبَضَ عَلَيْهِمَا وَسَيَّرَهُمَا إِلَى جَزِيرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ، فَوَثَبَ أَحَدُهُمَا بِالْمُوَكَّلِ بِهِ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَهُ أَهْلُ تِلْكَ الْجَزِيرَةِ فَقَتَلُوهُ وَأَرْسَلُوا رَأْسَهُ إِلَى قُسْطَنْطِينَ الْمَلِكِ، فَجَزِعَ لِقَتْلِهِ.
وَأَمَّا ارْمَانُوسْ فَقَدْ مَاتَ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ تَرَهُّبِهِ. وَدَامَ مُلْكُ قُسْطَنْطِينَ بَقِيَّةَ أَيَّامِ الْمُقْتَدِرِ وَالْقَاهِرِ وَالرَّاضِي وَالْمُسْتَكْفِي وَبَعْضَ أَيَّامِ الْمُطِيعِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَى قُسْطَنْطِينَ هَذَا قُسْطَنْطِينُ بْنُ أَنْدَرُونَقَسْ، وَكَانَ أَبُوهُ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى الْمُكْتَفِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ وَتُوُفِّيَ. فَهَرَبَ ابْنُهُ هَذَا عَلَى طَرِيقِ أَرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ، فَسَارَ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَنَازَعَ الْمَلِكَ قُسْطَنْطِينَ فِي مُلْكِهِ، وَذَلِكَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَظَفِرَ بِهِ الْمَلِكُ فَقَتَلَهُ.
وَخَرَجَ عَنْ طَاعَتِهِ أَيْضًا صَاحِبُ رُومِيَّةَ، وَهِيَ كُرْسِيُّ مَلِكِ الْإِفْرِنْجِ، وَتُسَمَّى بِالْمُلْكِ، وَلَبِسَ ثِيَابَ الْمُلُوكِ. وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يُطِيعُونَ مُلُوكَ الرُّومِ أَصْحَابَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَيَصْدُرُونَ عَنْ أَمْرِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ سَنَةُ أَرْبَعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَوِيَ مُلْكُ رُومِيَّةَ، فَخَرَجَ عَنْ طَاعَتِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ قُسْطَنْطِينُ الْعَسَاكِرَ يُقَاتِلُونَهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْفِرِنْجِ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَتِ الرُّومُ وَعَادَتْ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ مَنْكُوبَةً فَكَفَّ حِينَئِذٍ قُسْطَنْطِينُ عَنْ مُعَارَضَتِهِ وَرَضِيَ بِالْمُسَالَمَةِ وَجَرَى بَيْنَهُمَا مُصَاهَرَةٌ، فَزَوَّجَ قُسْطَنْطِينُ ابْنَهُ أَرْمَانُوسْ بِابْنَةِ مَلِكِ رُومِيَّةَ.
وَلَمْ يَزَلْ أَمْرُ الْإِفْرِنْجِ بَعْدَ هَذَا يَقْوَى وَيَزْدَادُ وَيَتَّسِعُ مُلْكُهُمْ كَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ وَكَأَخْذِهِمْ جَزِيرَةَ صِقِلِّيَةَ وَبِلَادَ سَاحِلِ الشَّامِ وَالْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَفِي آخِرِ الْأَمْرِ مَلَكُوا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّمِائَةٍ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهَذَا أَنَّ الطَّوَائِفَ مِنَ التُّرْكِ اجْتَمَعَتْ، مِنْهُمُ الْبَجْنَاكُ وَالْبُخْتِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَصَدُوا مَدِينَةً لِلرُّومِ قَدِيمَةً تُسَمَّى وَلِيدُرْ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute