ذِكْرُ مَا فَعَلَهُ الْمُتَوَكِّلُ بِمَشْهَدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَمَرَ الْمُتَوَكِّلُ بِهَدْمِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَدْمِ مَا حَوْلَهُ مِنَ الْمَنَازِلِ وَالدُّورِ، وَأَنْ يُبْذَرَ وَيُسْقَى قَبْرُهُ، وَأَنْ يُمْنَعَ النَّاسُ مِنْ إِتْيَانِهِ، فَنَادَى [عَامِلُ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ] بِالنَّاسِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ: مَنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَ قَبْرِهِ، بَعْدَ ثَلَاثَةٍ، حَبَسْنَاهُ فِي الْمُطْبِقِ! فَهَرَبَ النَّاسُ، وَتَرَكُوا زِيَارَتَهُ، وَحُرِثَ، وَزُرِعَ.
وَكَانَ الْمُتَوَكِّلُ شَدِيدَ الْبُغْضِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ، وَكَانَ يَقْصِدُ مَنْ يَبْلُغُهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَتَوَلَّى عَلِيًّا وَأَهْلَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَالدَّمِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ نُدَمَائِهِ عُبَادَةُ الْمُخَنَّثُ، وَكَانَ يَشُدُّ عَلَى بَطْنِهِ، تَحْتَ ثِيَابِهِ، مِخَدَّةً، وَيَكْشِفُ رَأْسَهُ، وَهُوَ أَصْلَعُ، وَيَرْقُصُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُتَوَكِّلِ، وَالْمُغْنُونَ يُغَنُّونَ: قَدْ أَقْبَلَ الْأَصْلَعُ الْبَطِينُ، خَلِيفَةُ الْمُسْلِمِينَ، يَحْكِي بِذَلِكَ عَلِيًّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْمُتَوَكِّلُ يَشْرَبُ، وَيَضْحَكُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ يَوْمًا، وَالْمُنْتَصِرُ حَاضِرٌ، فَأَوْمَأَ إِلَى عُبَادَةَ يَتَهَدَّدُهُ، فَسَكَتَ خَوْفًا مِنْهُ، فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ: مَا حَالُكَ؟ فَقَامَ، وَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ الْمُنْتَصِرُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الَّذِي يَحْكِيهِ هَذَا الْكَاتِبُ، وَيَضْحَكُ مِنْهُ النَّاسُ، هُوَ ابْنُ عَمِّكَ، وَشَيْخُ أَهْلِ بَيْتِكَ، وَبِهِ فَخْرُكَ، فَكُلْ أَنْتَ لَحْمَهُ، إِذَا شِئْتَ، وَلَا تُطْعِمْ هَذَا الْكَلْبَ وَأَمْثَالَهُ مِنْهُ! فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ لِلْمُغَنِّينَ: غَنُّوا جَمِيعًا:
غَارَ الْفَتَى لِابْنِ عَمِّهْ رَأْسُ الْفَتَى فِي حِرِ أُمِّهِ فَكَانَ هَذَا مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي اسْتَحَلَّ بِهَا الْمُنْتَصِرُ قَتْلَ الْمُتَوَكِّلِ.
وَقِيلَ: إِنَّ الْمُتَوَكِّلَ كَانَ يُبْغِضُ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ: الْمَأْمُونُ، وَالْمُعْتَصِمُ، وَالْوَاثِقُ فِي مَحَبَّةِ عَلَيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُنَادِمُهُ وَيُجَالِسُهُ جَمَاعَةٌ قَدِ اشْتَهَرُوا بِالنَّصْبِ، وَالْبُغْضِ لِعَلِيٍّ، مِنْهُمْ: عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ، الشَّاعِرُ الشَّامِيُّ، وَمِنْ بَنِي شَامَةَ ابْنُ لُؤَيٍّ، وَعُمَرُ بْنُ فَرَجٍ الرُّخَّجِيُّ، وَأَبُو السِّمْطِ مِنْ وَلَدِ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، مِنْ مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَتْرُجَّةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute