وَسَارَتِ الرُّومُ إِلَى أُشْتُومَ تِنِّيسِ، وَكَانَ عَلَيْهِ سُورٌ وَبَابَانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ عَمِلَهُ الْمُعْتَصِمُ، فَنَهَبُوا مَا فِيهِ مِنْ سِلَاحٍ، وَأَخَذُوا الْبَابَيْنِ، وَرَجَعُوا وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ أَحَدٌ.
ذِكْرُ وَفَاةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ وَوِلَايَةِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ
وَفِيهَا تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ الْأُمَوِيُّ، صَاحِبُ الْأَنْدَلُسِ، فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، وَوِلَايَتُهُ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ.
وَكَانَ أَسْمَرَ طَوِيلًا، أَقْنَى، أَعْيَنَ، عَظِيمَ اللِّحْيَةِ، مُخَضَّبًا بِالْحِنَّاءِ، وَخَلَّفَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ وَلَدًا ذُكُورًا.
وَكَانَ أَدِيبًا، شَاعِرًا، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي جُمْلَةِ مَنْ عَشِقَ جَوَارِيَهُ، وَكَانَ يَعْشَقُ جَارِيَةً لَهُ اسْمُهَا طَرُوبٌ، وَشُهِرَ بِهَا، وَكَانَ عَالِمًا بِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ عُلُومِ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَتْ أَيَّامُهُ أَيَّامَ عَافِيَةٍ وَسُكُونٍ، وَكَثُرَتِ الْأَمْوَالُ عِنْدَهُ، وَكَانَ بَعِيدَ الْهِمَّةِ، وَاخْتَرَعَ قُصُورًا، وَمُتَنَزَّهَاتٍ كَثِيرَةً، وَبَنَى الطُّرُقَ، وَزَادَ فِي الْجَامِعِ بِقُرْطُبَةَ رِوَاقَيْنِ، وَتُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ زَخْرَفَتَهُ، وَأَتَمَّهُ ابْنُهُ، وَبَنَى جَوَامِعَ كَثِيرَةً بِالْأَنْدَلُسِ.
وَلَمَّا مَاتَ مَلَكَ ابْنَهُ مُحَمَّدٌ، فَجَرَى عَلَى سِيرَةِ وَالِدِهِ فِي الْعَدْلِ، وَأَتَمَّ بِنَاءَ الْجَامِعِ بِقُرْطُبَةَ، (وَأَمُّهُ تُسَمَّى بُهْتُرَ) ، وَوُلِدَ لَهُ مِائَةُ وَلَدٍ كُلُّهُمْ ذُكُورٌ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَقَامَ أُبَّهَةَ الْمُلْكِ بِالْأَنْدَلُسِ، وَرَتَّبَ رُسُومَ الْمَمْلَكَةِ، وَعَلَا عَنِ التَّبَذُّلِ لِلْعَامَّةِ، فَكَانَ يُشَبَّهُ بِالْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي أُبَّهَةِ الْمُلْكِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَلَبَ الْمَاءَ الْعَذْبَ إِلَى قُرْطُبَةَ، وَأَدْخَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute