إِلَى ذَلِكَ وَأَرْسَلُوهُ مَعَ الصَّنَمَيْنِ فَضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَوَلَّاهُ شَرَابَهُ.
فَأَبْصَرَتْهُ رَقَاشُ أُخْتُ جَذِيمَةَ فَعَشِقَتْهُ وَرَاسَلَتْهُ لِيَخْطُبَهَا إِلَى جَذِيمَةَ، فَقَالَ: لَا أَجْتَرِئُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَطْمَعُ فِيهِ. قَالَتْ: إِذَا جَلَسَ عَلَى شَرَابِهِ فَاسْقِهِ صِرْفًا وَاسْقِ الْقَوْمَ مَمْزُوجًا، فَإِذَا أَخَذَتِ الْخَمْرُ فِيهِ فَاخْطُبْنِي إِلَيْهِ فَلَنْ يَرُدَّكَ، فَإِذَا زَوَّجَكَ فَأَشْهِدِ الْقَوْمَ.
فَفَعَلَ عَدِيٌّ مَا أَمَرَتْهُ، فَأَجَابَهُ جَذِيمَةُ وَأَمْلَكَهُ إِيَّاهَا، فَانْصَرَفَ إِلَيْهَا فَأَعْرَسَ بِهَا مِنْ لَيْلَتِهِ وَأَصْبَحَ بِالْخَلُوقِ، فَقَالَ لَهُ جَذِيمَةُ، وَأَنْكَرَ مَا رَأَى بِهِ: مَا هَذِهِ الْآثَارُ يَا عَدِيُّ؟ قَالَ: آثَارُ الْعُرْسِ. قَالَ: أَيُّ عُرْسٍ؟ قَالَ: عُرْسُ رَقَاشٍ. قَالَ: مَنْ زَوَّجَكُمَا وَيْحَكَ! قَالَ: الْمَلِكُ. فَنَدِمَ جَذِيمَةُ وَأَكَبَّ عَلَى الْأَرْضِ مُتَفَكِّرًا، وَهَرَبَ عَدِيٌّ، فَلَمْ يُرَ لَهُ أَثَرٌ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا جَذِيمَةُ: خَبِّرِينِي وَأَنْتِ لَا تَكْذِبِينِي أَبِحُرٍّ زَنَيْتِ أَمْ بِهَجِينِ أَمْ بِعَبْدٍ فَأَنْتِ أَهْلٌ لِعَبْدٍ أَمْ بِدُونٍ فَأَنْتِ أَهْلٌ لِدُونِ.
فَقَالَتْ: لَا بَلْ أَنْتَ زَوَّجْتَنِي امْرَأً عَرَبِيًّا حَسِيبًا وَلَمْ تَسْتَأْمِرْنِي فِي نَفْسِي. فَكَفَّ عَنْهَا وَعَذَرَهَا.
وَرَجَعَ عَدِيٌّ إِلَى إِيَادٍ فَكَانَ فِيهِمْ. فَخَرَجَ يَوْمًا مَعَ فِتْيَةٍ مُتَصَيِّدِينَ، فَرَمَى بِهِ فَتًى مِنْهُمْ فِي مَا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَتَنَكَّسَ فَمَاتَ.
فَحَمَلَتْ رَقَاشُ فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّتْهُ عَمْرًا، فَلَمَّا تَرَعْرَعَ وَشَبَّ أَلْبَسَتْهُ وَعَطَّرَتْهُ وَأَزَارَتْهُ خَالَهُ، فَلَمَّا رَآهُ أَحَبَّهُ وَجَعَلَهُ مَعَ وَلَدِهِ، وَخَرَجَ جَذِيمَةُ مُتَبَدِّيًا بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي سَنَةٍ خَصِيبَةٍ، فَأَقَامَ فِي رَوْضَةٍ ذَاتِ زَهْرٍ وَغُدُرٍ، فَخَرَجَ وَلَدُهُ وَعَمْرٌو مَعَهُمْ يَجْتَنُونَ الْكَمْأَةَ، فَكَانُوا إِذَا أَصَابُوا كَمْأَةً جَيِّدَةً أَكَلُوهَا، وَإِذَا أَصَابَهَا عَمْرٌو خَبَّأَهَا، فَانْصَرَفُوا إِلَى جَذِيمَةَ يَتَعَادُونَ، وَعَمْرٌو يَقُولُ:
هَذَا جَنَايَ وَخِيَارُهُ فِيهِ ... إِذْ كُلُّ جَانٍ يَدُهُ فِي فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute