وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَدْ سَيَّرَ مَعَ طَوْقٍ فِي صَنَادِيقَ قُيُودًا لِيُقَيِّدَ بِهَا مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْ أَصْحَابِ يَعْقُوبَ، وَفِي صَنَادِيقَ أَطْوِقَةٌ وَأَسْوِرَةٌ لِيُعْطِيَهَا أَهْلَ الْبَلَاءِ مِنْ أَصْحَابِ نَفْسِهِ، فَلَمَّا غَنِمَ يَعْقُوبُ عَسْكَرَهُمْ رَأَى ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا طَوْقُ؟ فَأَخْبَرَهُ، فَأَخَذَ الْأَطْوِقَةَ وَالْأَسْوِرَةَ، فَأَعْطَاهَا أَصْحَابَهُ، وَأَخَذَ الْقُيُودَ وَالْأَغْلَالَ، فَقَيَّدَ بِهَا أَصْحَابَ عَلِيٍّ، وَلَمَّا أَخْرَجَ يَدَ طَوْقٍ لِيَضَعَ فِيهَا الْغُلَّ رَآهَا يَعْقُوبُ وَعَلَيْهَا عِصَابَةٌ، فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: أَصَابَتْنِي حَرَارَةٌ فَفَصَدْتُهَا. فَأَمَرَ بِنَزْعِ خُفِّ نَفْسِهِ، فَتَسَاقَطَ مِنْهُ كِسَرُ خُبْزٍ يَابِسَةٍ، فَقَالَ: يَا طَوْقُ! هَذَا خُفِّي لَمْ أَنْزِعْهُ مُنْذُ شَهْرَيْنِ مِنْ رِجْلِي، وَخُبْزِي فِي خُفِّي مِنْهُ آكُلُ، وَأَنْتَ جَالِسٌ فِي الشُّرْبِ؟ ثُمَّ دَخَلَ كَرْمَانَ وَمَلَكَهَا مَعَ سِجِسْتَانَ.
ذِكْرُ مُلْكِ يَعْقُوبَ فَارِسَ
وَفِيهَا، رَابِعَ جُمَادَى الْأُولَى، مَلَكَ يَعْقُوبُ بْنُ اللَّيْثِ فَارِسَ، وَلَمَّا بَلَغَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ شِبْلٍ بِفَارِسَ مَا فَعَلَهُ يَعْقُوبُ بِطَوْقٍ أَيْقَنَ بِمَجِيئِهِ إِلَيْهِ، وَكَانَ عَلِيٌّ بِشِيرَازَ، فَجَمَعَ جَيْشَهُ وَسَارَ إِلَى مَضِيقٍ خَارِجَ شِيرَازَ، مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ جَبَلٌ لَا يُسْلَكُ، وَمِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ نَهْرٌ لَا يُخَاضُ، فَأَقَامَ عَلَى رَأْسِ الْمَضِيقِ، وَهُوَ ضَيِّقٌ مَمَرُّهُ لَا يَسْلُكُهُ إِلَّا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَهُوَ عَلَى طَرَفِ الْبَرِّ، وَقَالَ: إِنَّ يَعْقُوبَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجَوَازِ إِلَيْنَا. فَرَجَعَ.
وَأَقْبَلَ يَعْقُوبُ حَتَّى دَنَا مِنْ ذَلِكَ الْمَضِيقِ، فَنَزَلَ عَلَى مِيلٍ مِنْهُ، وَسَارَ وَحْدَهُ وَمَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَنَظَرَ إِلَى ذَلِكَ الْمَضِيقِ وَالْعَسْكَرُ وَأَصْحَابُ [عَلِيِّ بْنِ] الْحَسَنِ يَسُبُّونَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ الظُّهْرَ سَارَ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى صَارَ إِلَى طَرَفِ الْمَضِيقِ مِمَّا يَلِي كَرْمَانَ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالنُّزُولِ وَحَطَّ الْأَثْقَالَ، فَفَعَلُوا، وَرَكِبُوا دَوَابَّهُمْ عُرْيًا، وَأَخَذَ كَلْبًا كَانَ مَعَهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ، فَجَعَلَ يَسْبَحُ إِلَى جَانِبِ عَسْكَرِ [عَلِيِّ بْنِ] الْحُسَيْنِ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابُهُ قَدْ رَكِبُوا يَنْظُرُونَ إِلَى فِعْلِهِ، وَيَضْحَكُونَ مِنْهُ.
وَأَلْقَى يَعْقُوبُ نَفْسَهُ وَأَصْحَابَهُ فِي الْمَاءِ عَلَى خَيْلِهِمْ، وَبِأَيْدِيهِمُ الرِّمَاحُ، يَسِيرُونَ خَلْفَ الْكَلْبِ، فَلَمَّا رَأَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ يَعْقُوبَ قَدْ قَطَعَ عَامَّةَ النَّهْرِ تَحَيَّرَ فِي أَمْرِهِ، وَانْتَقَضَ عَلَيْهِ تَدْبِيرَهُ، وَخَرَجَ أَصْحَابُ يَعْقُوبَ مِنْ وَرَاءِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، فَلَمَّا خَرَجَ أَوَائِلُهُمْ هَرَبَ أَصْحَابُهُ إِلَى مَدِينَةِ شِيرَازَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَصِيرُونَ، إِذَا خَرَجَ يَعْقُوبُ وَأَصْحَابُهُ، بَيْنَ جَيْشِ يَعْقُوبَ وَالْمَضِيقِ، وَلَا يَجِدُونَ مَلْجَأً، فَانْهَزَمُوا، فَسَقَطَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ دَابَّتِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute