فَكَانُوا مِائَتَيْنِ، ثُمَّ سَارَ فَنَهَبَ قَرْيَةَ مَيْزَرَانَ، وَرَأَى فِيهَا جَمْعًا مِنَ الزَّنْجِ فَفَرَّقَهُمْ عَلَى قُوَّادِهِ ; ثُمَّ سَارَ، فَلَقِيَهُ سِتُّمِائَةِ فَارِسٍ مَعَ سُلَيْمَانَ ابْنِ أَخِي الزَّيْنَبِيِّ، وَلَمْ يُقَاتِلْهُ، فَأَرْسَلَ مَنْ يَنْهَبُ، فَأَتَوْهُ بِغَنَمٍ وَبَقَرٍ، فَذَبَحُوا وَأَكَلُوا، وَفَرَّقَ أَصْحَابَهُ فِي انْتِهَابِ مَا هُنَاكَ.
ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ الزَّنْجِ سَارَ يُرِيدُ الْبَصْرَةَ، حَتَّى إِذَا قَابَلَ النَّهْرَ الْمَعْرُوفَ بِالرِّيَاحِيِّ أَتَاهُ قَوْمٌ مِنَ السُّودَانِ فَأَعْلَمُوهُ أَنَّهُمْ رَأَوْا فِي الرِّيَاحِيِّ بَارِقَةً، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَادَى السُّودَانُ: السِّلَاحَ السِّلَاحَ، وَأَمَرَ عَلِيَّ بْنَ أَبَانٍ بِالْعُبُورِ إِلَيْهِمْ، فَعَبَرَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ، وَقَالَ لَهُ: إِنِ احْتَجْتَ إِلَى مَدَدٍ فَاسْتَمِدَّنِي، فَلَمَّا مَضَى عَلِيٌّ صَاحَ الزَّنْجُ: السِّلَاحَ السِّلَاحَ، لِحَرَكَةٍ رَأَوْهَا فِي جِهَةٍ أُخْرَى، فَوَجَّهَ مُحَمَّدَ بْنَ سَالِمٍ، (فَرَأَى جَمْعًا، فَقَاتَلَهُمْ) مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ إِلَى آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ حَمَلَ الزُّنُوجُ حَمْلَةً صَادِقَةً، فَهَزَمُوهُمْ، وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْأَعْرَابِ زُهَاءَ خَمْسِمِائَةٍ، وَرَجَعُوا إِلَى صَاحِبِهِمْ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ فِي أَصْحَابِهِ، وَقَدْ هَزَمُوا مَنْ بِإِزَائِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ، وَمَعَهُ رَأْسُ ابْنِ أَبِي اللَّيْثِ الْبِلَالِيِّ الْقَوَارِيرِيِّ مِنْ أَعْيَانِ الْبِلَالِيَّةِ، ثُمَّ سَارَ مِنَ الْغَدِ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَنَهَى أَصْحَابَهُ عَنْ دُخُولِ الْبَصْرَةِ، فَتَسَرَّعَ بَعْضُهُمْ، فَلَقِيَهُمْ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ، وَانْتَهَى الْخَبَرُ إِلَيْهِ، فَوَجَّهَ مُحَمَّدَ بْنَ سَالِمٍ، (وَعَلِيَّ بْنَ أَبَانٍ) ، وَمُشْرِقًا، وَخَلْقًا كَثِيرًا، وَجَاءَ هُوَ يُسَايِرُهُمْ فَلَقُوا الْبَصْرِيِّينَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِهِ لِيَتَأَخَّرُوا عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي هُمْ فِيهِ، فَتَرَاجَعُوا، فَأَكَبَّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فَانْهَزَمُوا، وَذَلِكَ عِنْدَ الْعَصْرِ، وَوَقَعَ الزُّنُوجُ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ، وَنَهْرِ شَيْطَانٍ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَغَرِقَ جَمَاعَةٌ، وَتَفَرَّقَ الْبَاقُونَ، وَتَخَلَّفَ صَاحِبُهُمْ عَنْهُمْ، وَبَقِيَ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَنَجَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ لَقِيَهُمْ وَهُمْ مُتَحَيِّرُونَ لِفَقْدِهِ، وَسَأَلَ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَإِذَا لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا خَمْسُمِائَةِ رَجُلٍ، فَأَمَرَ بِالنَّفْخِ فِي الْبُوقِ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ لِصَوْتِهِ، فَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ، وَكَانَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ قَدِ انْتَهَبُوا السُّفُنَ الَّذِي كَانَتْ لِلزُّنُوجِ، وَبِهَا مَتَاعُهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَأَى أَصْحَابَهُ فِي أَلْفِ رَجُلٍ، وَأَرْسَلَ مُحَمَّدَ بْنَ سَالِمٍ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَعِظُهُمْ، وَيُعْلِمُهُمْ مَا الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الْخُرُوجِ، فَقَتَلُوهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute