وَسَارَ إِلَى مَدِينَةِ يَرْطِينْوَا فَمَلَكَهَا سَلْخَ رَجَبٍ، وَأَظْهَرَ الْعَدْلَ، وَأَحْسَنَ إِلَى الرَّعِيَّةِ، وَسَارَ إِلَى طَبَرْمِينَ، فَاسْتَعَدَّ أَهْلُهَا لِقِتَالِهِ، فَلَمَّا وَصَلَ خَرَجُوا إِلَيْهِ وَالْتَقَوْا، فَقَرَأَ الْقَارِئُ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: ١] فَقَالَ الْأَمِيرُ اقْرَأْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: ١٩] ، فَقَرَأَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَخْتَصِمُ أَنَا وَالْكُفَّارُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ! وَحَمَلَ، وَمَعَهُ أَهْلُ الْبَصَائِرِ، فَهُزِمَ الْكُفَّارُ، وَقَتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ كَيْفَ شَاءُوا، وَدَخَلُوا مَعَهُمُ الْمَدِينَةَ عَنْوَةً، فَرَكِبَ بَعْضُ مَنْ بِهَا مِنَ الرُّومِ مَرَاكِبَ فَهَرَبُوا فِيهَا.
وَالْتَجَأَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْحِصْنِ وَأَحَاطَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ وَقَاتَلُوهُمْ، فَاسْتَنْزَلُوهُمْ قَهْرًا، وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُمْ، وَسَبَوْا ذَرَارِيَهُمْ، وَذَلِكَ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْمُقَاتِلَةِ، وَبَيْعِ السَّبْيِ وَالْغَنِيمَةِ.
وَلَمَّا اتَّصَلَ الْخَبَرُ بِفَتْحِ طَبَرْمِينَ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ عَظُمَ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَلْبَسُ التَّاجَ، وَقَالَ: لَا يَلْبَسُ التَّاجَ مَحْزُونٌ.
وَتَحَرَّكَتِ الرُّومُ، وَعَزَمُوا عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى صِقِلِّيَّةَ لِمَنْعِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَبَلَغَهُمْ أَنَّهُ سَائِرٌ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَتَرَكَ الْمَلِكُ بِهَا عَسْكَرًا عَظِيمًا، وَسِيَّرَ جَيْشًا إِلَى صِقِلِّيَّةَ.
(وَأَمَّا الْأَمِيرُ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّهُ لَمَّا مَلَكَ طَبَرْمِينَ بَثَّ السَّرَايَا فِي مُدُنِ صِقِلِّيَّةَ) الَّتِي بِيَدِ الرُّومِ، وَبَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى مَيْقَشَ، وَسِرِيَّةً إِلَى دَمَنْشَ، فَوَجَدُوا أَهْلَهَا قَدْ أُجْلُوا عَنْهَا، فَغَنِمُوا مَا وَجَدُوا بِهَا.
وَبَعَثَ طَائِفَةً إِلَى رَمْطَةَ، وَطَائِفَةً إِلَى الْيَاجِ، فَأَذْعَنَ الْقَوْمُ جَمِيعًا إِلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ غَيْرَ تَسْلِيمِ الْحُصُونِ، فَفَعَلُوا، فَهَدَمَهَا، وَسَارَ إِلَى كَسَنْتَةَ، فَجَاءَتْهُ الرُّسُلُ مِنْهَا يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ فَلَمْ يُجِبْهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute