وَالْتَقَيَا، فَحَمَلَتْ مَيْسَرَةُ يَعْقُوبَ عَلَى مَيْمَنَةِ الْمُوَفَّقِ فَهَزَمَتْهَا، وَقَتَلَتْ مِنْهَا جَمَاعَةً مِنْ قُوَّادِهِمْ، مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سِيمَا وَغَيْرُهُ، ثُمَّ تَرَاجَعَ الْمُنْهَزِمُونَ، وَكَشَفَ أَبُو أَحْمَدَ الْمُوَفَّقُ رَأْسَهُ، وَقَالَ: أَنَا الْغُلَامُ الْهَاشِمِيُّ! وَحَمَلَ، وَحَمَلَ مَعَهُ سَائِرُ عَسْكَرِهِ عَلَى عَسْكَرِ يَعْقُوبَ، فَثَبَتُوا، وَتَحَارَبُوا حَرْبًا شَدِيدَةً، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ يَعْقُوبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْحَسَنُ الدِّرْهَمِيُّ، وَأَصَابَتْ يَعْقُوبَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ فِي حَلْقِهِ وَيَدَيْهِ، وَلَمْ تَزَلِ الْحَرْبُ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ.
ثُمَّ وَافَى أَبَا أَحْمَدَ الْمُوَفَّقَ الدَّيْرَانِيُّ، (وَمُحَمَّدَ) بْنَ أَوْسٍ، فَاجْتَمَعَ جَمِيعُ مَنْ بَقِيَ فِي عَسْكَرِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ أَصْحَابِ يَعْقُوبَ كَرَاهَةٌ لِلْقِتَالِ مَعَهُ، إِذْ رَأَوُا الْخَلِيفَةَ يُقَاتِلُهُ، فَحَمَلُوا عَلَى يَعْقُوبَ وَمَنْ قَدْ ثَبَتَ لِلْقِتَالِ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ يَعْقُوبَ، وَثَبَتَ يَعْقُوبُ فِي خَاصَّةِ أَصْحَابِهِ، حَتَّى مَضَوْا، وَفَارَقُوا مَوْضِعَ الْحَرْبِ، (وَتَبِعَهُمْ أَصْحَابُ الْمُوَفَّقِ) ، فَغَنِمُوا مَا فِي عَسْكَرِهِمْ، وَكَانَ فِيهِ مِنَ الدَّوَابِّ، وَالْبِغَالِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ، وَمِنَ الْأَمْوَالِ مَا يُكَلُّ عَنْ حَمْلِهِ، وَمِنْ جُرُبِ الْمِسْكِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَتَخَلَّصَ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ، وَكَانَ مُثْقَلًا بِالْحَدِيدِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ الْمُوَفَّقُ، وَوَلَّاهُ الشُّرْطَةَ بِبَغْدَاذَ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَسَارَ يَعْقُوبُ مِنَ الْهَزِيمَةِ إِلَى خُوزِسْتَانَ، فَنَزَلَ جَنْدِيْسَابُورَ، وَرَاسَلَهُ الْعَلَوِيُّ الْبَصْرِيُّ يَحُثُّهُ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى بَغْدَاذَ، وَيَعِدُهُ الْمُسَاعَدَةَ، فَقَالَ لِكَاتِبِهِ: اكْتُبْ إِلَيْهِ: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ - لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: ١ - ٢] السُّورَةَ، وَسَيَّرَ الْكِتَابَ إِلَيْهِ.
وَكَانَتِ الْوَاقِعَةُ لِإِحْدَى عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَجَبٍ ; وَكَتَبَ الْمُعْتَمِدِ إِلَى ابْنِ وَاصِلٍ بِتَوْلِيَتِهِ فَارِسَ، وَكَانَ قَدْ سَارَ إِلَيْهَا وَجَمَعَ جَمَاعَةً فَغَلَبَ عَلَيْهَا، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ عَسْكَرًا عَظِيمًا عَلَيْهِمُ ابْنُ عَزِيزِ بْنِ السَّرِيِّ إِلَى فَارِسَ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَرَجَعَ الْمُعْتَمِدُ إِلَى سَامَرَّا.
وَأَمَّا أَبُو أَحْمَدَ الْمُوَفَّقُ فَإِنَّهُ سَارَ إِلَى وَاسِطَ لِيَتْبَعَ الصَّفَّارَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّجَهُّزِ لِذَلِكَ، فَأَصَابَهُ مَرَضٌ، فَعَادَ إِلَى بَغْدَاذَ وَمَعَهُ مَسْرُورٌ، وَقَبَضَ مَا لِأَبِي السَّاجِ مِنَ الضِيَاعِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute