وَالسُّمَيْرِيَّاتِ، وَالشَّذَا يُرِيدُونَ حَرْبَهُ، فَجَزِعَ جَزَعًا شَدِيدًا ; فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَيْهِ وَرَآهُمْ أَخَذَ جَمْعًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَسَارَ رَاجِلًا، وَاسْتَدْبَرَ أَغْرَتْمِشَ، وَجَدَّ أَغْرَتْمِشَ فِي الْمَسِيرِ إِلَى عَسْكَرِ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ أَمَرَ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ مِنْ جَيْشِهِ أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لِأَصْحَابِ أَغْرَتْمِشَ، وَأَنْ يُخْفُوا أَنْفُسَهُمْ مَا قَدَرُوا إِلَى أَنْ يَسْمَعُوا أَصْوَاتَ طُبُولِهِمْ، فَإِذَا سَمِعُوهَا خَرَجُوا عَلَيْهِ.
وَأَقْبَلَ أَغْرَتْمِشُ إِلَيْهِمْ، فَجَزِعَ أَصْحَابُ سُلَيْمَانَ جَزَعًا عَظِيمًا، فَتَفَرَّقُوا، وَنَهَضَتْ شِرْذِمَةٌ مِنْهُمْ، فَوَاقَعُوهُمْ، وَشَغَلُوهُمْ عَنْ دُخُولِ الْعَسْكَرِ، وَعَادَ سُلَيْمَانُ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَضَرَبَ طُبُولَهُ، وَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ لِلْعُبُورِ إِلَيْهِمْ، فَانْهَزَمَ أَغْرَتْمِشَ وَظَهَرَ مَنْ كَانَ مِنَ السُّودَانِ بِطَهْثَا، وَوَضَعُوا السُّيُوفَ فِيهِمْ، وَقُتِلَ حَشِيشٌ، وَانْهَزَمَ أَغْرَتْمِشَ، وَتَبِعَهُ الزُّنُوجُ إِلَى عَسْكَرِهِ، فَنَالُوا حَاجَاتِهِمْ مِنْهُ، وَأَخَذُوا مِنْهُمْ شَذَوَاتٍ فِيهَا مَالٌ، وَغَيْرُهُ، فَعَادَ أَغْرَتْمِشَ فَانْتَزَعَهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَعَادَ سُلَيْمَانُ وَقَدْ ظَفِرَ وَغَنِمَ، وَكَتَبَ إِلَى صَاحِبِ (الزَّنْجِ بِالْخَبَرِ، وَسَيَّرَ إِلَيْهِ رَأْسَ حَشِيشٍ، فَسَيَّرَهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبَانٍ، وَهُوَ بِنَوَاحِي) الْأَهْوَازِ، وَسَيَّرَ سُلَيْمَانُ سَرِيَّةً، فَظَفِرُوا بِإِحْدَى عَشْرَةَ شَذَاةً، وَقَتَلُوا أَصْحَابَهَا.
ذِكْرُ وَقْعَةٍ لِلزَّنْجِ عَظِيمَةٍ انْهَزَمُوا فِيهَا
وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ لِلزُّنُوجِ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ لَيْثَوَيْهِ ; وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ مَسْرُورًا الْبَلْخِيَّ وَجَّهَ أَحْمَدَ بْنَ لَيْثَوَيْهِ إِلَى كُوَرِ الْأَهْوَازِ، فَنَزَلَ السُّوسَ، وَكَانَ يَعْقُوبُ الصَّفَّارُ قَدْ قَلَّدَ مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ هَزَارْمَرْدَ الْكُرْدِيَّ كُوَرَ الْأَهْوَازِ، فَكَاتَبَ مُحَمَّدًا قَائِدَ الزَّنْجِ يُطْمِعُهُ فِي الْمَيْلِ إِلَيْهِ، وَأَوْهَمَهُ أَنَّهُ يَتَوَلَّى لَهُ كُوَرَ الْأَهْوَازِ.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ يُكَاتِبُهُ قَدِيمًا، وَعَزَمَ عَلَى مُدَارَاةِ الصَّفَّارِ، وَقَائِدِ الزَّنْجِ، حَتَّى يَسْتَقِيمَ الْأَمْرُ فِيهَا، فَكَاتَبَهُ صَاحِبُ الزَّنْجِ يُجِيبُهُ إِلَى مَا طَلَبَ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ الْمُتَوَلِّيَ لِلْبِلَادِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يَخْلُفُهُ عَلَيْهَا، فَقَبِلَ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ جَيْشًا كَثِيرًا، وَأَمَدَّهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَسَارُوا نَحْوَ السُّوسِ، فَمَنَعَهُمْ أَحْمَدُ بْنُ لَيْثَوَيْهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُنْدِ الْخَلِيفَةِ عَنْهَا، وَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَأَسَرَ جَمَاعَةً.
وَسَارَ أَحْمَدُ حَتَّى نَزَلَ سَابُورَ، وَسَارَ عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ مِنَ الْأَهْوَازِ مُمِدًّا مُحَمَّدَ بْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute