للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَاتَلَهُ سَاعَةً، ثُمَّ تَطَارَدَ لَهُمْ، فَتَبِعُوهُ، فَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ يُعْلِمَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ، وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ تِكِينِ شِبْهَ الْمُنْهَزِمِ، لِيَسْمَعَ أَصْحَابُ تِكِينَ قَوْلَهُ فَيَطْمَعُوا فِيهِ: غَرَرْتُمُونِي، وَأَهْلَكْتُمُونِي، وَكُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الدُّخُولِ هَهُنَا، فَأَبَيْتُمْ، وَلَا أَرَانَا نَنْجُو مِنْهُ.

وَطَمِعَ أَصْحَابُ تِكِينَ وَجَدُّوا فِي طَلَبِهِ، وَجَعَلُوا يُنَادُونَ: بُلْبُلٌ فِي قَفَصٍ، فَمَا زَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى جَازُوا مَوْضِعَ الْكَمِينِ، وَقَارَبُوا عَسْكَرَ سُلَيْمَانَ، وَقَدْ كَمَنَ أَيْضًا خَلْفَ جُدُرٍ هُنَاكَ، فَخَرَجَ سُلَيْمَانُ إِلَيْهِمْ فِي أَصْحَابِهِ فَقَاتَلَهُمْ، وَخَرَجَ الْكَمِينُ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَعَطَفَ الْجُبَّائِيُّ عَلَى مَنْ فِي النَّهْرِ، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ تِكِينَ مِنَ الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَرَكِبَهُمُ الزَّنْجُ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَسْلُبُونَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، وَعَادُوا عَنْهُمْ.

فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ عَادَ الزَّنْجُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي مُعَسْكَرِهِمْ، فَكَبَسُوهُمْ، فَقَاتَلَهُمْ تِكِينُ وَأَصْحَابُهُ، فَانْكَشَفَ سُلَيْمَانُ، ثُمَّ عَبَّأَ أَصْحَابَهُ، فَأَمَرَ طَائِفَةً أَنْ تَأْتِيَهُمْ مِنْ جِهَةٍ ذَكَرَهَا لَهُمْ، وَطَائِفَةً مِنَ الْمَاءِ، وَأَتَى هُوَ فِي الْبَاقِينَ، فَقَصَدُوا تِكِينَ مِنْ جِهَاتِهِ كُلِّهَا، فَلَمْ يَقِفْ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدٌ، وَانْهَزَمُوا، وَتَرَكُوا عَسْكَرَهُمْ، فَغَنِمَ الزَّنْجُ مَا فِيهِ، وَعَادُوا بَالْغَنِيمَةِ، وَاسْتَخْلَفَ سُلَيْمَانُ الْجُبَّائِيُّ عَلَى عَسْكَرِهِ، وَسَارَ إِلَى صَاحِبِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ.

فَلَمَّا سَارَ سُلَيْمَانُ إِلَى الْخَبِيثِ خَرَجَ الْجُبَّائِيُّ بِالْعَسْكَرِ الَّذِي خَلَّفَهُ سُلَيْمَانُ مَعَهُ إِلَى مَازُورَانَ لِطَلَبِ الْمِيرَةِ، فَاعْتَرَضَهُ جُعْلَانُ، فَقَاتَلَهُ، فَانْهَزَمَ الْجُبَّائِيُّ، وَأُخِذَتْ سُفُنُهُ، وَأَتَتْهُ الْأَخْبَارُ أَنَّ مَنْجُورَا وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ حَبِيبٍ الْيَشْكُرِيَّ قَدْ بَلَغَا الْحَجَّاجِيَّةَ، فَكَتَبَ إِلَى صَاحِبِهِ بِذَلِكَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانَ، فَوَصَلَ إِلَى طَهْثَا مُجِدًّا، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ قَصْدَ جُعْلَانَ، وَقَدِمَ الْجُبَّائِيُّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ جُعَلَانَ وَيَقِفَ بِحَيْثُ يَرَاهُ وَلَا يُقَاتِلُهُ.

ثُمَّ سَارَ سُلَيْمَانُ نَحْوَ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ مُجِدًّا، فَأَوْقَعَ بِهِ وَقْعَةً عَظِيمَةً، وَغَنِمَ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، وَقَتَلَ أَخًا لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَرَجَعَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا.

ثُمَّ سَارَ فِي شَعْبَانَ إِلَى قَرْيَةِ حَسَّانَ، وَبِهَا قَائِدٌ يُقَالُ لَهُ حَسَنُ بْنُ خَمَارْتَكِينَ، فَأَوْقَعَ بِهِ، فَهَزَمَهُ، وَنَهَبَ الْقَرْيَةَ، وَأَحْرَقَهَا، وَعَادَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>