مَرْبُوطَةً فَأَطْلَقَهَا، وَصَاحَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِيهَا فَنَفَرَتْ، وَصَاحَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَأَصْحَابُ مُوسَى غَارُّونَ، وَقَدْ تَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ فِي حَوَائِجِهِمْ، انْزَعَجَ الْعَسْكَرُ، وَرَكِبُوا، وَرَكِبَ مُوسَى، فَانْهَزَمَ أَبُو الْأَغَرِّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَتَبِعَهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَجَازَ بِهِ الْكَمِينَ، فَنَادَى أَبُو الْأَغَرِّ بِالْعَلَامَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ، فَثَارُوا مِنَ النَّوَاحِي، وَعَطَفَ أَبُو الْأَغَرِّ عَلَى مُوسَى فَأَسَرُوهُ، فَأَخَذُوهُ، وَسَارُوا حَتَّى وَصَلُوا إِلَى ابْنِ جَيْعَوَيْهِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ، وَحَارُوا، فَسَيَّرَهُ ابْنُ جَيْعَوَيْهِ إِلَى ابْنِ طُولُونَ، فَاعْتَقَلَهُ، وَعَادَ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بِبِلَادِ الصِّينَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ بِبِلَادِ الصِّينِ إِنْسَانٌ لَا يُعْرَفُ، فَجَمَعَ جَمْعًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالْعَامَّةِ، فَأَهْمَلَ الْمَلِكُ أَمْرَهُ اسْتِصْغَارًا لِشَأْنِهِ، فَقَوِيَ، وَظَهَرَ حَالُهُ، وَكَثُفَ جَمْعُهُ، وَقَصَدَهُ أَهْلُ الشَّرِّ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَأَغَارَ عَلَى الْبِلَادِ وَأَخْرَبَهَا، وَنَزَلَ عَلَى مَدِينَةِ خَانْقُوَا، وَحَصَرَهَا وَهِيَ حَصِينَةٌ، وَلَهَا نَهْرٌ عَظِيمٌ، وَبِهَا عَالَمٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالنَّصَارَى، وَالْيَهُودِ، وَالْمَجُوسِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الصِّينِ، فَلَمَّا حَصَرَ الْبَلَدَ اجْتَمَعَتْ عَسَاكِرُ الْمَلِكِ، وَقَصَدَتْهُ، فَهَزَمَهَا، وَافْتَتَحَ الْمَدِينَةَ عَنْوَةً، وَبَذَلَ السَّيْفَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً.
ثُمَّ سَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَلِكُ، وَأَرَادُوا حَصْرَهَا، فَالْتَقَاهُ مَلِكُ الصِّينِ، وَدَامَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ نَحْوُ سَنَةٍ، ثُمَّ انْهَزَمَ الْمَلِكُ، وَتَبِعَهُ الْخَارِجِيُّ إِلَى أَنْ تَحَصَّنَ مِنْهُ فِي مَدِينَةٍ مِنْ أَطْرَافِ بِلَادِهِ، وَاسْتَوْلَى الْخَارِجِيُّ عَلَى أَكْثَرِ الْبِلَادِ، وَالْخَزَائِنِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُ فِي الْمُلْكِ إِذْ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَخْرَبَ الْبِلَادَ وَنَهَبَ الْأَمْوَالَ، وَسَفَكَ الدِّمَاءَ.
فَكَاتَبَ مَلِكُ الصِّينِ مُلُوكَ الْهِنْدِ يَسْتَمِدُّهُمْ، فَأَمَدُّوهُ بِالْعَسَاكِرِ، فَسَارَ إِلَى الْخَارِجِيِّ، فَالْتَقَوْا، وَاقْتَتَلُوا نَحْوَ سَنَةٍ أَيْضًا، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ، ثُمَّ إِنَّ الْخَارِجِيَّ عُدِمَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ قُتِلَ، وَقِيلَ بَلْ غَرِقَ، وَظَفِرَ الْمَلِكُ بِأَصْحَابِهِ، وَعَادَ إِلَى مَمْلَكَتِهِ.
وَلَقَبُ مُلُوكِ الصِّينِ: يَعْفُورُ، وَمَعْنَاهُ ابْنُ السَّمَاءِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ ; وَتَفَرَّقَ الْمُلْكُ عَلَيْهِ، وَتَغَلَّبَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ عَلَى طَرَفٍ مِنَ الْبِلَادِ، وَصَارَ الصِّينُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مُلُوكُ الطَّوَائِفِ، يُظْهِرُونَ لَهُ الطَّاعَةَ، وَقَنَعَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ، وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute