الزَّنْجِ، وَطَلَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ وُجُوهِ أَصْحَابِهِ الْأَمَانَ، فَأُمِّنُوا، وَكَانَ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الْقُمِّيُّ، وَكَانَ إِلَيْهِ ضَبْطُ السُّورِ مِمَّا يَلِي عَسْكَرَ الْمُوَفَّقِ، فَيَخْرُجُ لَيْلًا، فَأَمَّنَهُ الْمُوَفَّقُ، وَوَصَلَهُ بِصِلَاتٍ كَثِيرَةٍ لَهُ وَلِمَنْ خَرَجَ مَعَهُ، وَحَمَلَهُ عَلَى عِدَّةِ دَوَابَّ بِآلَاتِهَا وَحِلْيَتِهَا، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ زَوْجَتِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ، فَأَخَذَهَا الْخَبِيثُ فَبَاعَهَا ; وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ الْيَرْبُوعِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَشْجَعِ رِجَالِ الْعَلَوِيِّ، وَغَيْرُهُمَا، فَخَلَعَ عَلَيْهِمْ، وَوَصَلَهُمْ بِصِلَاتٍ كَثِيرَةٍ.
وَلَمَّا انْقَطَعَتِ الْمِيرَةُ وَالْمَوَادُّ عَنِ الْعَلَوِيِّ أَمَرَ شِبْلًا وَأَبَا الْبَذِّيِّ، وَهُمَا مِنْ رُؤَسَاءِ قُوَّادِهِ [الَّذِينَ] يَثِقُ بِهِمْ، بِالْخُرُوجِ إِلَى الْبَطِيحَةِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ لِلْغَارَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَطْعِ الْمِيرَةِ عَنِ الْمُوَفَّقِ، فَسَيَّرَ الْمُوَفَّقُ إِلَيْهِمْ زِيرَكَ فِي جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَقِيَهُمْ بِنَهْرِ ابْنِ عُمَرَ، فَرَأَى كَثْرَتَهُمْ، فَرَاعَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى فِي قِتَالِهِمْ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ، فَقَذَفَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ فَانْهَزَمُوا، وَوَضَعَ فِيهِمُ السَّيْفَ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَغَرِقَ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ، وَأَسَرَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَأَخَذَ مِنْ سُفُنِهِمْ مَا أَمْكَنَهُ أَخَذُهُ، وَغَرَّقَ مَا أَمْكَنَهُ تَغْرِيقُهُ، وَكَانَ مَا أَخَذَهُ مِنْ سُفُنِهِمْ نَحْوَ أَرْبَعَمِائَةِ سَفِينَةٍ، وَأَقْبَلَ بِالْأُسَارَى وَالرُّءُوسِ إِلَى مَدِينَةِ الْمُوَفَّقِ.
ذِكْرُ عُبُورِ الْمُوَفَّقِ إِلَى مَدِينَةِ صَاحِبِ الزَّنْجِ
وَفِيهَا عَبَرَ الْمُوَفَّقُ إِلَى مَدِينَةِ الْخَبِيثِ لَسِتٍّ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ; وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ قُوَّادِ الْخَبِيثِ لَمَّا رَأَوْا مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ مِنْ قِبَلِ مَنْ يَظْهَرُ مِنْهُمْ، وَشِدَّةَ الْحِصَارِ عَلَى مَنْ لَزِمَ الْمَدِينَةَ، وَحَالَ مَنْ خَرَجَ بِالْأَمَانِ، جَعَلُوا يَهْرُبُونَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَيَخْرُجُونَ إِلَى الْمُوَفَّقِ بِالْأَمَانِ.
فَلَمَّا رَأَى الْخَبِيثُ ذَلِكَ جَعَلَ عَلَى الطُّرُقِ الَّتِي يُمْكِنُهُمُ الْهَرَبُ مِنْهَا مَنْ يَحْفَظُهَا، فَأَرْسَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُوَّادِ إِلَى الْمُوَفَّقِ يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ، وَأَنْ يُوَجِّهَ لِمُحَارَبَةِ الْخَبِيثِ جَيْشًا لِيَجِدُوا طَرِيقًا إِلَى الْمَصِيرِ إِلَيْهِ، فَأَمَرَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ بِالْمَسِيرِ إِلَى النَّهْرِ الْغَرْبِيِّ، وَبِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ (يَحْمِيهِ فَنَهَضَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَمَعَهُ الشَّذَوَاتُ، وَالسُّمَيْرِيَّاتُ، وَالْمَعَابِرُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute