سَكَنَهَا بَعْدَ) إِحْرَاقِ قَصْرِهِ، وَأَحْرَقُوهَا وَنَهَبُوا مَا كَانَ فِيهَا مِمَّا كَانَ سَلِمَ مَعَهُ، وَهَرَبَ الْخَبِيثُ وَلَمْ يُقَفْ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَلَى مَوَاضِعِ أَمْوَالِهِ.
وَاسْتُنْقِذَ فِي هَذَا الْيَوْمِ نِسْوَةٌ مِنَ الْعَلَوِيَّاتِ كُنَّ مُحَبَّسَاتٍ فِي مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ دَارِهِ الَّتِي كَانَ يَسْكُنُهَا، فَأَحْسَنَ الْمُوَفَّقُ إِلَيْهِنَّ، وَحَمَلَهُنَّ، وَفَتَحَ سِجْنًا، كَانَ لَهُ وَأَخْرَجَ مِنْهُ خَلْقًا كَثِيرًا مِمَّنْ كَانَ يُحَارِبُ الْخَبِيثَ، فَفَكَّ الْمُوَفَّقُ عَنْهُمُ الْحَدِيدَ، وَأَخْرَجَ ذَلِكَ الْيَوْمَ كُلَّ مَا كَانَ فِي نَهْرِ أَبِي الْخَصِيبِ مِنْ شَذًا، وَمَرَاكِبَ بَحْرِيَّةٍ، وَسُفُنٍ صِغَارٍ، وَكِبَارٍ، وَحَرَّاقَاتٍ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ السُّفُنِ إِلَى دِجْلَةَ، فَأَبَاحَهَا الْمُوَفَّقُ أَصْحَابَهُ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ السَّلَبِ، وَكَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ عَظِيمَةٌ.
وَأَرْسَلَ أَنْكِلَايُ ابْنُ الْخَبِيثِ يَطْلُبُ الْأَمَانَ، وَسَأَلَ أَشْيَاءَ، فَأَجَابَهُ الْمُوَفَّقُ إِلَيْهَا، فَعَلِمَ أَبُوهُ بِذَلِكَ فَعَذَلَهُ، وَرَدَّهُ عَمَّا عَزَمَ عَلَيْهِ، فَعَادَ إِلَى الْحَرْبِ وَمُبَاشَرَةِ الْقِتَالِ.
وَوَجَّهَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الشَّعْرَانِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ رُؤَسَاءِ الْخَبِيثِ، يَطْلُبُ الْأَمَانَ، فَلَمْ يُجِبْهُ الْمُوَفَّقُ إِلَى ذَلِكَ، لَمَّا كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَالْفَسَادِ، فَاتَّصَلَ بِهِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ (رُؤَسَاءِ) أَصْحَابِ الْخَبِيثِ قَدِ اسْتَوْحَشُوا الْمَنَعَةَ، فَأَجَابَهُ إِلَى الْأَمَانِ، فَأَرْسَلَ الشَّذَا إِلَى مَوْضِعٍ ذَكَرَهُ، فَخَرَجَ هُوَ وَأَخُوهُ، وَأَهْلُهُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ قُوَّادِهِ، فَأَرْسَلَ الْخَبِيثُ مَنْ يَمْنَعُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَاتَلَهُمْ، وَوَصَلَ إِلَى الْمُوَفَّقِ، فَزَادَ فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ، وَأَمَرَ بِإِظْهَارِهِ لِأَصْحَابِ الْخَبِيثِ لِيَزْدَادُوا ثِقَةً، فَلَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَانِهِ، حَتَّى اسْتَأْمَنَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُوَّادِ الزِّنْجِ مِنْهُمْ شِبْلُ بْنُ سَالِمٍ، فَأَجَابَهُ الْمُوَفَّقُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ شَذَوَاتٍ، فَرَكِبَ فِيهَا هُوَ وَعِيَالُهُ، وَوَلَدُهُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ قُوَّادِهِ، فَلَقِيَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الزِّنْجِ، فَقَاتَلَهُمْ، وَنَجَا، وَوَصَلَ إِلَى الْمُوَفَّقِ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَوَصَلَهُ بِصِلَةٍ جَلِيلَةٍ، وَهُوَ مِنْ قُدَمَاءَ أَصْحَابِ الْخَبِيثِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلِيَائِهِ لِمَا رَأَوْا مِنْ رَغْبَةِ رُؤَسَائِهِمْ فِي الْأَمَانِ.
وَلَمَّا رَأَى الْمُوَفَّقُ مُنَاصَحَةَ شِبْلٍ، وَجَوْدَةَ فَهْمِهِ، أَمَرَهُ أَنْ يَكْفِيَهُ بَعْضَ الْأُمُورِ، فَسَارَ لَيْلًا فِي جَمْعٍ مِنَ الزِّنْجِ، لَمْ يُخَالِطْهُمْ غَيْرُهُمْ، إِلَى عَسْكَرِ الْخَبِيثِ يَعْرِفُ مَكَانَهُمْ، وَأَوْقَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute