مِنْ جِهَاتِهَا، (فَسَيَّرَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ إِلَى) نَاحِيَةِ دَارِ الْمُهَلَّبِيِّ أَسْفَلَ الْعَسْكَرِ، وَكَانَ قَدْ شَحَنَهَا بِالرِّجَالِ، وَالْمُقَاتِلِينَ، وَأَمَرَ جَمِيعَ أَصْحَابَهُ بِقَصْدِ دَارِ الْخَبِيثِ، وَإِحْرَاقِهَا، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْهَا اجْتَمَعُوا عَلَى دَارِ الْمُهَلَّبِيِّ، وَسَارَ هُوَ فِي الشَّذَا، وَهِيَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ قِطْعَةً، فِيهَا أَنْجَادُ غِلْمَانِهِ، وَانْتَخَبَ مِنَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا عَلَى جَانِبَيِ النَّهْرِ مَعَهُ إِذَا سَارَ، وَأَنْ يَقِفُوا مَعَهُ إِذَا وَقَفَ، لِيَتَصَرَّفُوا بِأَمْرِهِ.
وَبَكَّرَ الْمُوَفَّقُ لِقِتَالِ الْفَاسِقِينَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانُوا قَدْ تَقَدَّمُوا إِلَيْهِمْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَوَاقَعُوهُمْ، وَتَقَدَّمَ كُلُّ طَائِفَةٍ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا، فَلَقِيَهُمُ الزِّنْجُ، وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ فِي الْفَرِيقَيْنِ، وَحَامَى الْفَسَقَةُ عَنِ الَّذِي اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ مِنْ مَدِينَتِهِمْ، وَاسْتَمَاتُوا، وَصَبَرُوا، فَنَصَرَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْمُوَفَّقِ، فَانْهَزَمَ الزِّنْجُ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَأُسِرَ مِنْ أَنْجَادِهِمْ وَشُجْعَانِهِمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ، فَأَمَرَ الْمُوَفَّقُ فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُ الْأَسْرَى فِي الْمَعْرَكَةِ، وَقَصَدَ بِجَمْعِهِ الدَّارَ الَّتِي يَسْكُنُهَا الْخَبِيثُ، وَكَانَ قَدْ لَجَأَ إِلَيْهَا، وَجَمَعَ أَبْطَالَ أَصْحَابِهِ لِلْمُدَافَعَةِ عَنْهَا، فَلَمْ يُغْنُوا عَنْهَا شَيْئًا، وَانْهَزَمُوا عَنْهَا وَأَسْلَمُوهَا، وَدَخَلَهَا أَصْحَابُ الْمُوَفَّقِ وَفِيهَا بَقَايَا مَا كَانَ سَلِمَ لِلْخَبِيثِ مِنْ مَالِهِ، وَوَلَدِهِ، وَأَثَاثِهِ، فَنَهَبُوا ذَلِكَ أَجْمَعَ، وَأَخَذُوا حَرَمَهُ، وَأَوْلَادَهُ، وَكَانُوا عِشْرِينَ مَا بَيْنَ صَبِيَّةٍ، وَصَبِيٍّ، وَسَارَ الْخَبِيثُ هَارِبًا نَحْوَ دَارِ الْمُهَلَّبِيِّ لَا يَلْوِي عَلَى أَهْلٍ، وَلَا مَالٍ، وَأُحْرِقَتْ دَارُهُ، وَأُتِيَ الْمُوَفَّقُ بِأَهْلِ الْخَبِيثِ وَأَوْلَادِهِ، فَسَيَّرَهُمْ إِلَى بَغْدَاذَ.
وَكَانَ أَصْحَابُ أَبِي الْعَبَّاسِ قَدْ قَصَدُوا دَارَ الْمُهَلَّبِيِّ، وَقَدْ لَجَأَ إِلَيْهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْهَزِمِينَ، فَغَلَبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَاشْتَغَلُوا بِنَهْبِهَا، وَأَخَذُوا مَا فِيهَا مِنْ حَرَمِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَوْلَادِهِمْ، وَجَعَلَ مَنْ ظَفَرَ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ حَمَلَهُ إِلَى سَفِينَتِهِ، فَعَلَوْا فِي الدَّارِ وَنَوَاحِيهَا، فَلَمَّا رَآهُمُ الزِّنْجُ كَذَلِكَ رَجَعُوا إِلَيْهِمْ فَقَتَلُوا فِيهِمْ مَقْتَلَةً يَسِيرَةً.
وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ غِلْمَانِ الْمُوَفَّقِ الَّذِينَ قَصَدُوا دَارَ الْخَبِيثِ تَشَاغَلُوا بِحَمْلِ الْغَنَائِمِ إِلَى السُّفُنِ أَيْضًا، فَأَطْمَعَ ذَلِكَ الزِّنْجَ فِيهِمْ، فَأَكَبُّوا عَلَيْهِمْ فَكَشَفُوهُمْ، وَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ، وَثَبَتَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَبْطَالِ الْمُوَفَّقِ، فَرَدُّوا الزِّنْجَ حَتَّى تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى مَوَاقِفِهِمْ، وَدَامَتِ الْحَرْبُ إِلَى الْعَصْرِ، فَأَمَرَ الْمُوَفَّقُ غِلْمَانَهُ بِصِدْقِ الْحَمْلَةِ عَلَيْهِمْ، فَفَعَلُوا، فَانْهَزَمَ الْخَبِيثُ وَأَصْحَابُهُ، وَأَخَذَتْهُمُ السُّيُوفُ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى دَارِهِ أَيْضًا، فَرَأَى الْمُوَفَّقُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute