الْمُعْتَمِدِ، إِذْ هُوَ الْخَلِيفَةُ، وَلَقِيَهُمْ لَمَّا صَارُوا إِلَى عَمَلِهِ، وَسَارَ مَعَهُمْ عِدَّةَ مَرَاحِلَ، فَلَمَّا قَارَبَ عَمَلَ ابْنِ طُولُونَ ارْتَحَلَ الْأَتْبَاعُ، وَالْغِلْمَانُ الَّذِينَ مَعَ الْمُعْتَمِدِ، وَقُوَّادِهِ، وَلَمْ يَتْرُكِ ابْنُ كُنْدَاجِيقَ أَصْحَابَهُ يَرْحَلُونَ، ثُمَّ خَلَا بِالْقُوَّادِ عِنْدَ الْمُعْتَمِدِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ قَارَبْتُمْ عَمَلَ ابْنِ طُولُونَ، وَالْأَمْرُ أَمْرُهُ، وَتَصِيرُونَ مِنْ جُنْدِهِ، وَتَحْتَ يَدِهِ، أَفَتَرْضَوْنَ بِذَلِكَ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْكُمْ؟
وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ مُنَاظَرَةٌ، حَتَّى تَعَالَى النَّهَارُ، وَلَمْ يَرْحَلِ الْمُعْتَمِدُ وَمَنْ مَعَهُ، فَقَالَ ابْنُ كُنْدَاجِيقَ: قُومُوا بِنَا نَتَنَاظَرُ فِي غَيْرِ حَضْرَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ; فَأَخَذَ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى خَيْمَتِهِ لِأَنَّ مَضَارِبَهُمْ كَانَتْ قَدْ سَارَتْ، فَلَمَّا دَخَلُوا خَيْمَتَهُ قَبَضَ عَلَيْهِمْ وَقَيَّدَهُمْ، وَأَخَذَ سَائِرَ مَنْ مَعَ الْمُعْتَمِدِ مِنَ الْقُوَّادِ فَقَيَّدَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أُمُورِهِمْ مَضَى إِلَى الْمُعْتَمِدِ فَعَذَلَهُ مِنْ مَسِيرِهِ فِي دَارِ مُلْكِهِ، وَمُلْكِ آبَائِهِ، وَفِرَاقِ أَخِيهِ الْمُوَفَّقِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي هُوَ بِهَا مِنْ حَرْبٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ، وَقَتْلَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَزَوَالِ مُلْكِهِمْ، ثُمَّ حَمَلَهُ وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ حَتَّى أَدْخَلَهُمْ سَامَرَّا.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ عَسْكَرِ ابْنِ طُولُونَ وَعَسْكَرِ الْمُوَفَّقِ بِمَكَّةَ
وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ بِمَكَّةَ بَيْنَ جَيْشٍ لِأَحْمَدَ بْنِ طُولُونَ، وَبَيْنَ عَسْكَرِ الْمُوَفَّقِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ.
وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ طُولُونَ سَيَّرَ جَيْشًا مَعَ قَائِدَيْنِ إِلَى مَكَّةَ، فَوَصَلُوا إِلَيْهَا، وَجَمَعُوا الْحَنَّاطِينَ، وَالْجَزَّارِينَ، وَفَرَّقُوا فِيهِمْ مَالًا، وَكَانَ عَامِلُ مَكَّةَ هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِذْ ذَاكَ بِبُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ قَدْ فَارَقَهَا خَوْفًا مِنْهُمْ، فَوَافَى مَكَّةَ جَعْفَرٌ الْبَاغَمَرْدِيُّ فِي ذِي الْحِجَّةِ فِي عَسْكَرٍ، وَتَلَقَّاهُ هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي جَمَاعَةٍ، فَقَوِيَ بِهِمْ جَعْفَرٌ، وَالْتَقَوْا هُمْ وَأَصْحَابُ ابْنِ طُولُونَ، فَاقْتَتَلُوا، وَأَعَانَ أَهْلُ خُرَاسَانَ جَعْفَرًا، فَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ طُولُونَ مِائَتَيْ رَجُلٍ، وَانْهَزَمَ الْبَاقُونَ وَسُلِبُوا وَأُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَأَخَذَ جَعْفَرٌ مِنَ الْقَائِدَيْنِ نَحْوَ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَمَّنَ الْمِصْرِيِّينَ، وَالْجَزَّارِينَ، وَالْحَنَّاطِينَ، وَقُرِئَ كِتَابٌ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِلَعْنِ ابْنِ طُولُونَ، وَسَلِمَ النَّاسُ وَأَمْوَالُ التُّجَّارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute