ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ ابْنِ كُنْدَاجَ، وَابْنِ أَبِي السَّاجِ
لَمَّا انْهَزَمَ كُنْدَاجُ مِنَ ابْنِ أَبِي السَّاجِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَقَامَ إِلَى أَنِ انْهَزَمَ ابْنُ أَبِي السَّاجِ مِنْ خُمَارَوَيْهِ، فَلَمَّا وَافَى خُمَارَوَيْهِ بَلَدَ أَقَامَ بِهَا، وَسَيَّرَ مَعَ إِسْحَاقَ بْنِ كُنْدَاجَ جَيْشًا كَثِيرًا، وَجَمَاعَةً مِنَ الْقُوَّادِ، وَرَحَلَ يَطْلُبُ ابْنَ أَبِي السَّاجِ، فَمَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ وَابْنُ كُنْدَاجَ يَتْبَعُهُ إِلَى تِكْرِيتَ، فَعَبَرَ ابْنُ أَبِي السَّاجِ دِجْلَةَ، وَأَقَامَ ابْنُ كُنْدَاجَ، وَجَمَعَ السُّفُنَ لِيَعْمَلَ جِسْرًا يَعْبُرُ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُجْرِي بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ مُرَامَاةً.
وَكَانَ ابْنُ أَبِي السَّاجِ فِي نَحْوِ أَلْفَيْ فَارِسٍ، وَابْنُ كُنْدَاجَ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا، فَلَمَّا رَأَى أَبُو السَّاجِ اجْتِمَاعَ السُّفُنِ سَارَ عَنْ تِكْرِيتَ إِلَى الْمَوْصِلِ لَيْلًا، فَوَصَلَ إِلَيْهَا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، فَنَزَلَ بِظَاهِرِهَا عِنْدَ الدَّيْرِ الْأَعْلَى، وَسَارَ ابْنُ كُنْدَاجَ يَتْبَعُهُ، فَوَصَلَ إِلَى الْعَزِيقِ، فَلَمَّا سَمِعَ ابْنُ أَبِي السَّاجِ خَبَرَهُ سَارَ إِلَيْهِ، فَالْتَقَوْا، وَاقْتَتَلُوا عِنْدَ قَصْرِ حَرْبٍ، فَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، وَصَبَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّاجِ صَبْرًا عَظِيمًا، لِأَنَّهُ فِي قِلَّةٍ، فَنَصَرَهُ اللَّهُ، وَانْهَزَمَ ابْنُ كُنْدَاجَ، وَجَمِيعُ عَسْكَرِهِ، وَمَضَى مُنْهَزِمًا.
وَكَانَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ فِي هَزِيمَتِهِ بَغْيَهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ أَبِي السَّاجِ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَكَ مِنَ الْمَوْصِلِ لِيُقَاتِلَكَ، قَالَ: أَسْتَقْبِلُ الْكَلْبَ! فَعَدَّ النَّاسُ هَذَا بَغْيًا وَخَافُوا مِنْهُ، فَلَمَّا انْهَزَمَ، وَسَارَ إِلَى الرَّقَّةَ، تَبِعَهُ مُحَمَّدٌ إِلَيْهَا، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي أَحْمَدَ الْمُوَفَّقِ يُعَرِّفُهُ مَا كَانَ مِنْهُ، وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي عُبُورِ الْفُرَاتِ إِلَى الشَّامِ بِلَادِ خُمَارَوَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُوَفَّقُ يَشْكُرُهُ، وَيَأْمُرُهُ بِالتَّوَقُّفِ إِلَى أَنْ تَصِلَهُ الْأَمْدَادُ مِنْ عِنْدِهِ.
وَأَمَّا ابْنُ كُنْدَاجَ فَإِنَّهُ سَارَ إِلَى خُمَارَوَيْهِ، فَسَيَّرَ مَعَهُ جَيْشًا، فَوَصَلُوا إِلَى الْفُرَاتِ، فَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ كُنْدَاجَ عَلَى الشَّامِ، وَابْنُ أَبِي السَّاجِ بِالرَّقَّةَ، وَوَكَّلَ بِالْفُرَاتِ مَنْ يَمْنَعُ مِنْ عُبُورِهَا، فَبَقُوا كَذَلِكَ مُدَّةً.
ثُمَّ إِنَّ ابْنَ كُنْدَاجَ سَيَّرَ طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِهِ، فَعَبَرُوا الْفُرَاتَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوَضِعِ، وَسَارُوا، فَلَمْ تَشْعُرْ طَائِفَةُ عَسْكَرِ ابْنِ أَبِي السَّاجِ، وَكَانُوا طَلِيعَةً، إِلَّا وَقَدْ أَوْقَعُوا بِهِمْ، فَانْهَزَمُوا مِنْ عَسْكَرِ إِسْحَاقَ إِلَى الرَّقَّةَ، فَلَمَّا رَأَى ابْنُ أَبِي السَّاجِ ذَلِكَ سَارَ عَنِ الرَّقَّةَ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute