وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَخْرَجَ اللَّهُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ وَلَمْ يُهْبِطْهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ مَسَحَ صَفْحَةَ ظَهْرِهِ الْيُمْنَى، فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّةً كَهَيْئَةِ الذَّرِّ بَيْضَاءَ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ، فَقَالَ لَهُمُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَمَسَحَ صَفْحَةَ ظَهْرِهِ الْيُسْرَى فَأَخْرَجَ مِنْهَا كَهَيْئَةِ الذَّرِّ سَوْدَاءَ، فَقَالَ: ادْخُلُوا النَّارَ وَلَا أُبَالِي، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: " أَصْحَابُ الْيَمِينِ " وَ " أَصْحَابُ الشِّمَالِ "، ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ فَقَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، فَأَعْطَوْهُ الْمِيثَاقَ، طَائِفَةً طَائِعِينَ، وَطَائِفَةً عَلَى وَجْهِ التَّقِيَّةِ.
ذِكْرُ الْأَحْدَاثِ الَّتِي كَانَتْ فِي عَهْدِ آدَمَ فِي الدُّنْيَا
وَكَانَ أَوَّلُ ذَلِكَ قَتْلَ قَابِيلَ بْنِ آدَمَ أَخَاهُ هَابِيلَ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ مُخْتَلِفُونَ فِي اسْمِ قَابِيلَ، فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: قَيْنُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: قَائِينُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ قَايِنُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: قَابِيلُ.
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي سَبَبِ قَتْلِهِ، فَقِيلَ: كَانَ سَبَبُهُ أَنَّ آدَمَ كَانَ يَغْشَى حَوَّاءَ فِي الْجَنَّةِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ الْخَطِيئَةَ فَحَمَلَتْ لَهُ فِيهَا بِقَابِيلَ بْنِ آدَمَ وَتَوْأَمَتِهِ، فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِمْا وَحَمًا، وَلَا وَصَبًا، وَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِمْا طَلْقًا حِينَ وَلَدَتْهُمَا وَلَمْ تَرَ مَعَهُمَا دَمًا لِطُهْرِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا أَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ، وَهَبَطَا إِلَى الْأَرْضِ فَاطْمَأَنَّا بِهَا تَغَشَّاهَا فَحَمَلَتْ بِهَابِيلَ، وَتَوْأَمَتِهِ، فَوَجَدَتْ عَلَيْهِمْا الْوَحَمَ، وَالْوَصَبَ، وَالطَّلْقَ حِينَ وَلَدَتْهُمَا، وَرَأَتْ مَعَهُمَا الدَّمَ، وَكَانَتْ حَوَّاءُ فِيمَا يَذْكُرُونَ لَا تَحْمَلُ إِلَّا تَوْأَمًا ذَكَرًا وَأُنْثَى، فَوَلَدَتْ حَوَّاءُ لِآدَمَ أَرْبَعِينَ وَلَدًا لِصُلْبِهِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فِي عِشْرِينَ بَطْنًا، وَكَانَ الْوَلَدُ مِنْهُمْ أَيَّ أَخَوَاتِهِ شَاءَ تَزَوَّجَ إِلَّا تَوْأَمَتَهُ الَّتِي تُولَدُ مَعَهُ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ نِسَاءٌ إِلَّا أَخَوَاتُهُمْ، وَأُمُّهُمْ حَوَّاءُ، فَأَمَرَ آدَمُ ابْنَهُ قَابِيلَ أَنْ يَنْكِحَ تَوْأَمَةَ هَابِيلَ، وَأَمَرَ هَابِيلَ أَنْ يَنْكِحَ تَوْأَمَةَ أَخِيهِ قَابِيلَ.
وَقِيلَ: بَلْ كَانَ آدَمُ غَائِبًا، وَكَانَ لَمَّا أَرَادَ السَّيْرَ قَالَ لِلسَّمَاءِ: احْفَظِي وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ، فَأَبَتْ، وَقَالَ لِلْأَرْضِ فَأَبَتْ، وَلِلْجِبَالِ فَأَبَتْ، وَقَالَ لِقَابِيلَ، فَقَالَ: نَعَمْ تَذْهَبُ وَتَرْجِعُ وَسَتَجِدُهُ كَمَا يَسُرُّكَ. فَانْطَلَقَ آدَمُ فَكَانَ مَا نَذْكُرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute