حَالًا مِنِّي، فَوَصَلَ إِلَى دَارِهِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ صَفَرٍ.
وَشَاعَ مَوْتُهُ بَعْدَ انْصِرَافِ أَبِي الصَّقْرِ مِنْ دَارِهِ، وَكَانَ تَقَدَّمَ بِحِفْظِ أَبِي الْعَبَّاسِ، فَأُغْلِقَتْ عَلَيْهِ أَبْوَابٌ دُونَ أَبْوَابٍ، وَقَوِيَ الْإِرْجَافُ بِمَوْتِهِ، وَكَانَ قَدِ اعْتَرَتْهُ غَشْيَةٌ، فَوَجَّهَ أَبُو الصَّقْرِ إِلَى الْمَدَائِنِ، فَحَمَلَ مِنْهَا الْمُعْتَمِدَ وَأَوْلَادَهُ، فَجِيءَ بِهِمْ إِلَى دَارِهِ، وَلَمْ يَسِرْ أَبُو الصَّقْرِ إِلَى دَارِ الْمُوَفَّقِ.
فَلَمَّا رَأَى غِلْمَانُ الْمُوَفَّقِ الْمَائِلُونَ إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ وَالرُّؤَسَاءُ مِنْ غِلْمَانِ أَبِي الْعَبَّاسِ مَا نَزَلَ بِالْمُوَفَّقِ، كَسَرُوا الْأَقْفَالَ، وَالْأَبْوَابَ الْمُغْلَقَةَ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو الْعَبَّاسِ ذَلِكَ ظَنَّ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، وَأَخَذَ سَيْفَهُ بِيَدِهِ، وَقَالَ لِغُلَامٍ عِنْدَهُ: وَاللَّهِ لَا يَصِلُونَ إِلَيَّ وَفِي شَيْءٍ مِنَ الرُّوحِ! فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهِ رَأَى فِي أَوَّلِهِمْ غُلَامَهُ وَصِيفًا مُوشْكِيرَ، فَلَمَّا رَآهُ أَلْقَى السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُمْ مَا يُرِيدُونَ إِلَّا الْخَيْرَ، فَأَخْرَجُوهُ، وَأَقْعَدُوهُ عِنْدَ أَبِيهِ، فَلَمَّا فَتَحَ عَيْنَهُ رَآهُ، فَقَرَّبَهُ وَأَدْنَاهُ إِلَيْهِ.
وَجَمَعَ أَبُو الصَّقْرِ عِنْدَ الْقُوَّادِ وَالْجُنْدِ، وَقَطَعَ الْجِسْرَيْنِ، وَحَارَبَهُ قَوْمٌ مِنَ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، فَقَتَلَ بَيْنَهُمْ قَتْلَى، فَلَمَّا بَلَغَ النَّاسُ أَنَّ الْمُوَفَّقَ حَيٌّ حَضَرَ عِنْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّاجِ، وَفَارَقَ أَبَا الصَّقْرِ، وَتَسَلَّلَ الْقُوَّادُ، وَالنَّاسُ عَنْ أَبِي الصَّقْرِ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو الصَّقْرِ ذَلِكَ حَضَرَ هُوَ وَابْنُهُ دَارَ الْمُوَفَّقِ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ الْمُوَفَّقُ شَيْئًا مِمَّا جَرَى، فَأَقَامَ فِي دَارِ الْمُوَفَّقِ، فَلَمَّا رَأَى الْمُعْتَمِدُ أَنَّهُ بَقِيَ فِي الدَّارِ نَزَلَ هُوَ وَبَنُوهُ وَبَكْتِمُرُ، فَرَكِبُوا زَوْرَقًا، فَلَقِيَهُمْ طَيَّارٌ لِأَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دُلَفَ، فَحَمَلَهُ فِيهِ إِلَى دَارِ عَلِيِّ بْنِ جِهْشِيَارَ.
وَذَكَرَ أَعْدَاءُ أَبِي الصَّقْرِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى الْمُعْتَمِدِ بِمَالِ الْمُوَفَّقِ، وَأَسْبَابِهِ، وَأَشَاعُوا ذَلِكَ عَنْهُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْمُوَفَّقِ، فَنُهِبَتْ دَارُ أَبِي الصَّقْرِ، حَتَّى أُخْرِجَتْ نِسَاؤُهُ مِنْهَا حُفَاةً بِغَيْرِ أُزُرٍ، وَنُهِبَ مَا يُجَاوِرُهَا مِنَ الدُّورِ، وَكُسِرَتْ أَبْوَابُ السِّجْنِ، وَخَرَجَ مَنْ كَانَ فِيهَا.
وَخَلَعَ الْمُوَفَّقُ عَلَى ابْنِهِ أَبِي الْعَبَّاسِ، وَعَلَى أَبِي الصَّقْرِ، وَرَكِبَا جَمِيعًا، فَمَضَى أَبُو الْعَبَّاسِ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَأَبُو الصَّقْرِ إِلَى مَنْزِلِهِ وَقَدْ نُهِبَ، فَطَلَبَ حَصِيرَةً يَقْعُدُ عَلَيْهَا عَارِيَةً،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute