ذِكْرُ غَزْوِ الرُّومِ وَوَفَاةِ يَازْمَانَ
فِيهَا، فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، دَخَلَ أَحْمَدُ الْعُجَيْفِيُّ طَرَسُوسَ، وَغَزَا مَعَ يَازْمَانَ الصَّائِفَةَ، فَبَلَغُوا شَكَنْدَ، فَأَصَابَتْ يَازْمَانَ شَظِيَّةٌ مِنْ حَجَرِ مَنْجَنِيقٍ فِي أَضْلَاعِهِ، فَارْتَحَلَ عَنْهَا بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَ عَلَى أَخْذِهَا، فَتُوُفِّيَ فِي الطَّرِيقِ مُنْتَصَفَ رَجَبٍ، وَحُمِلَ إِلَى طَرَسُوسَ فَدُفِنَ بِهَا.
وَكَانَ قَدْ أَطَاعَ خُمَارَوَيْهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ طُولُونَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ خَلَفَهُ ابْنُ عُجَيْفٍ، وَكَتَبَ إِلَى خُمَارَوَيْهِ يُخْبِرُهُ بِمَوْتِهِ، فَأَقَرَّهُ عَلَى وِلَايَةِ طَرَسُوسَ، وَأَمَدَّهُ بِالْخَيْلِ، وَالسِّلَاحِ، وَالذَّخَائِرِ، وَغَيْرِهَا، ثُمَّ عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا ابْنَ عَمِّهِ مُحَمَّدَ بْنَ مُوسَى بْنِ طُولُونَ.
ذِكْرُ الْفِتْنَةِ بِطَرَسُوسَ
وَفِيهَا ثَارَ النَّاسُ، بِطَرَسُوسَ، بِالْأَمِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، فَقَبَضُوا عَلَيْهِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوَفَّقَ لَمَّا تُوُفِّيَ كَانَ لَهُ خَادِمٌ مِنْ خَوَاصِّهِ يُقَالُ لَهُ: رَاغِبٌ، فَاخْتَارَ الْجِهَادَ، فَسَارَ إِلَى طَرَسُوسَ عَلَى عَزْمِ الْمُقَامِ بِهَا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الشَّامِ سَيَّرَ مَا مَعَهُ مِنْ دَوَابَّ، وَآلَاتٍ، وَخِيَامٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِلَى طَرَسُوسَ، وَسَارَ هُوَ جَرِيدَةً إِلَى خُمَارَوَيْهِ لِيَزُورَهُ، وَيُعَرِّفَهُ عَزْمَهُ، فَلَمَّا لَقِيَهُ بِدِمَشْقَ أَكْرَمَهُ خُمَارَوَيْهِ، وَأَحَبَّهُ، وَأَنِسَ بِهِ، وَاسْتَحْيَا رَاغِبٌ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الْمَسِيرَ إِلَى طَرَسُوسَ، فَطَالَ مُقَامُهُ عِنْدَهُ، فَظَنَّ أَصْحَابُهُ أَنَّ خُمَارَوَيْهِ قَبَضَ عَلَيْهِ، فَأَذَاعُوا ذَلِكَ، فَاسْتَعْظَمَهُ النَّاسُ، وَقَالُوا: يَعْمِدُ إِلَى رَجُلٍ قَصَدَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَبَضَ عَلَيْهِ! ثُمَّ شَغَبُوا عَلَى أَمِيرِهِمْ مُحَمَّدِ ابْنِ عَمِّ خُمَارَوَيْهِ، وَقَبَضُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: لَا يَزَالُ فِي الْحَبْسِ إِلَى أَنْ يُطْلِقَ ابْنُ عَمِّكَ رَاغِبًا، وَنَهَبُوا دَارَهُ، وَهَتَكُوا حُرَمَهُ.
وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى خُمَارَوَيْهِ، فَأَطْلَعَ رَاغِبًا عَلَيْهِ، وَأَذِنَ لَهُ فِي الْمَسِيرِ إِلَى طَرَسُوسَ، فَلَمَّا بَلَغَ إِلَيْهَا أَطْلَقَ أَهْلُهَا أَمِيرَهُمْ، فَلَمَّا أَطْلَقُوهُ قَالَ لَهُمْ: قَبَّحَ اللَّهُ جِوَارَكُمْ! وَسَارَ عَنْهُمْ إِلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، فَأَقَامَ بِهِ، وَلَمَّا سَارَ عَنْ طَرَسُوسَ عَادَ الْعُجَيْفِيُّ إِلَى وِلَايَتِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute