وَفِي أَيَّامِ سَابُورَ ظَهَرَ مَانِي الزِّنْدِيقُ وَادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَتَبِعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَهُمُ الَّذِينَ يُسَمَّوْنَ الْمَانَوِيَّةَ.
وَكَانَ مُلْكُهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ: إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَتِسْعَةَ أَيَّامٍ.
ذِكْرُ مُلْكِ ابْنِهِ هُرْمُزَ بْنِ سَابُورَ بْنِ أَرْدَشِيرَ بْنِ بَابَكَ
وَكَانَ يُشَبَّهُ فِي خَلْقِهِ بِأَرْدَشِيرَ غَيْرَ لَاحِقٍ بِهِ فِي تَدْبِيرِهِ، وَكَانَ مِنَ الْبَطْشِ وَالْجُرْأَةِ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنَاتِ مِهْرَكَ الْمَلِكِ الَّذِي قَتَلَهُ أَرْدَشِيرُ وَتَتَبَّعَ نَسْلَهُ فَقَتَلَهُمْ، لِأَنَّ الْمُنَجِّمِينَ أَخْبَرُوهُ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ نَسْلِهِ مَنْ يَمْلِكُ، فَهَرَبَتْ أُمُّهُ إِلَى الْبَادِيَةِ وَأَقَامَتْ عِنْدَ بَعْضِ الرِّعَاءِ، وَخَرَجَ سَابُورُ مُتَصَيِّدًا، فَاشْتَدَّ بِهِ الْعَطَشُ وَارْتَفَعَتْ لَهُ الْأَخْبِيَةُ الَّتِي فِيهَا أُمُّ هُرْمُزَ، فَقَصَدَهَا وَطَلَبَ الْمَاءَ، فَنَاوَلَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَرَأَى مِنْهَا جَمَالًا فَائِقًا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ حَضَرَ الرِّعَاءُ فَسَأَلَهُمْ سَابُورُ عَنْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا ابْنَتُهُ، فَتَزَوَّجَهَا وَسَارَ بِهَا إِلَى مَنْزِلِهِ، وَكُسِيَتْ وَنُظِّفَتْ، فَأَرَادَهَا فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ مُدَّةً، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ سَأَلَهَا عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا ابْنَةُ مِهْرَكَ، وَأَنَّهَا تَفْعَلُ ذَلِكَ إِبْقَاءً عَلَيْهِ مِنْ أَرْدَشِيرَ، فَعَاهَدَهَا عَلَى سَتْرِ أَمْرِهَا، وَوَطِئَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ هُرْمُزَ، فَسَتَرَ أَمْرَهُ حَتَّى صَارَ لَهُ سُنُونٌ.
فَرَكِبَ أَرْدَشِيرُ يَوْمًا إِلَى مَنْزِلِ ابْنِهِ سَابُورَ لِشَيْءٍ أَرَادَ ذِكْرَهُ لَهُ، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ مُفَاجَأَةً، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ خَرَجَ هُرْمُزُ وَبِيَدِهِ صَوْلَجَانٌ وَهُوَ يَصِيحُ فِي أَثَرِ الْكُرَةِ، فَلَمَّا رَآهُ أَرْدَشِيرُ أَنْكَرَهُ وَوَقَفَ عَلَى الْمَشَابِهِ الَّتِي فِيهِ مِنْ حُسْنِ الْوَجْهِ وَعَبَالَةِ الْخَلْقِ وَأُمُورٍ غَيْرِهَا، فَاسْتَدْنَاهُ أَرْدَشِيرُ وَسَأَلَ عَنْهُ سَابُورَ، فَخَرَجَ مُفَكِّرًا عَلَى سَبِيلِ الْإِقْرَارِ بِالْخَطَإِ، وَأَخْبَرَ أَبَاهُ أَرْدَشِيرَ الْخَبَرَ، فَسُرَّ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُنَجِّمُونَ فِي وَلَدِ مِهْرَكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute