الْمَكَانَ الَّذِي فِيهِ الْمَهْدِيُّ، فَاسْتَخْرَجَهُ، وَاسْتَخْرَجَ وَلَدَهُ، فَكَانَتْ فِي النَّاسِ مَسَرَّةٌ عَظِيمَةٌ كَادَتْ تَذْهَبُ بِعُقُولِهِمْ، فَأَرْكَبَهُمَا، وَمَشَى هُوَ وَرُؤَسَاءُ الْقَبَائِلِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لِلنَّاسِ: هَذَا مَوْلَاكُمْ، (وَهُوَ يَبْكِي) مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى فُسْطَاطٍ قَدْ ضُرِبَ لَهُ فَنَزَلَ فِيهِ، وَأَمَرَ بِطَلَبِ أَلْيَسَعَ (فَطُلِبَ) ، فَأُدْرِكَ، فَأُخِذَ وَضُرِبَ السِّيَاطَ ثُمَّ قُتِلَ.
فَلَمَّا ظَهَرَ الْمَهْدِيُّ أَقَامَ بِسِجِلْمَاسَةَ أَرَبَعِينَ يَوْمًا، وَسَارَ إِلَى إِفْرِيقِيَةَ، وَأَحْضَرَ الْأَمْوَالَ مِنْ إِنْكِجَانَ، فَجَعَلَهَا أَحْمَالًا وَأَخَذَهَا مَعَهُ، وَوَصَلَ إِلَى رَقَّادَةَ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ (مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ) مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَزَالَ مُلْكُ بَنِي الْأَغْلَبِ، وَمُلْكُ بَنِي مِدْرَارٍ الَّذِينَ مِنْهُمْ أَلْيَسَعَ وَكَانَ لَهُمْ ثَلَاثُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ مُنْفَرِدِينَ بِسِجِلْمَاسَةَ، وَزَالَ مُلْكُ بَنِي رُسْتُمَ مِنْ تَاهَرْتَ، وَلَهُمْ سِتُّونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ تَفَرَّدُوا بِتَاهَرْتَ، وَمَلَكَ الْمَهْدِيُّ جَمِيعَ ذَلِكَ. فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ رَقَّادَةَ تَلَقَّاهُ أَهْلُهَا، وَأَهْلُ الْقَيْرَوَانِ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَرُؤَسَاءُ كُتَامَةَ مُشَاةً بَيْنَ يَدَيْهِ، وَوَلَدُهُ خَلْفَهُ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَرَدَّ [رَدًّا] جَمِيلًا، وَأَمَرَهُمْ بِالِانْصِرَافِ، وَنَزَلَ بِقَصْرٍ مِنْ قُصُورِ رَقَّادَةَ، وَأَمَرَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ بِذِكْرِ اسْمِهِ فِي الْخُطْبَةِ فِي الْبِلَادِ، وَتَلَقَّبَ بِالْمَهْدِيِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَجَلَسَ بَعْدَ الْجُمْعَةِ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِالشَّرِيفِ، وَمَعَهُ الدُّعَاةُ، وَأَحْضَرُوا النَّاسَ بِالْعُنْفِ وَالشِّدَّةِ، وَدَعَوْهُمْ إِلَى مَذْهَبِهِمْ، (فَمَنْ أَجَابَ أُحْسِنَ إِلَيْهِ، وَمَنْ أَبَى حُبِسَ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي مَذْهَبِهِمْ) إِلَّا بَعْضُ النَّاسِ، وَهُمْ قَلِيلٌ، وَقُتِلَ (كَثِيرٌ مِمَّنْ) لَمْ يُوَافِقْهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ.
وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَوَارِيَ زِيَادَةِ اللَّهِ، فَاخْتَارَ مِنْهُنَّ كَثِيرًا لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ أَيْضًا، وَفَرَّقَ مَا بَقِيَ عَلَى وُجُوهِ كُتَامَةَ، وَقَسَّمَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَ إِفْرِيقِيَّةَ، وَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، وَجَبَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute