الْخَاقَانِيَّ انْحَلَّتْ أُمُورُهُ، فَدَخَلَ عَلَى الْخَلِيفَةِ (وَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ) ، فَأَمَرَهُ بِالْقَبْضِ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ (وَأَبِي الْحُسَيْنِ أَخِيهِ، فَقُبِضَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ) وَكَتَبَ فِي الْقَبْضِ عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ، فَقُبِضَ أَيْضًا، ثُمَّ خَافَ الْقَهْرَمَانَةَ، فَأَطْلَقَهُمَا وَاسْتَعْمَلَهُمَا.
ثُمَّ إِنَّ أُمُورَ الْخَاقَانِيِّ انْحَلَّتْ لِأَنَّهُ كَانَ ضَجُورًا، ضَيِّقَ الصَّدْرِ، مُهْمِلًا لِقِرَاءَةِ كُتُبِ الْعُمَّالِ، وَجِبَايَةِ الْأَمْوَالِ، وَكَانَ يَتَقَرَّبُ إِلَى الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، فَمَنَعَ خَدَمَ السُّلْطَانِ وَخَوَاصَّهُ أَنْ يُخَاطِبُوهُ بِالْعَبْدِ، وَكَانَ إِذَا رَأَى جَمَاعَةً مِنَ الْمَلَّاحِينَ وَالْعَامَّةِ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً، يَنْزِلُ وَيُصَلِّي مَعَهُمْ، وَإِذَا سَأَلَهُ أَحَدٌ حَاجَةً دَقَّ صَدْرَهُ، وَقَالَ: نَعَمْ وَكَرَامَةً، فَسُمِّيَ " دَقَّ صَدْرَهُ "، إِلَّا أَنَّهُ قَصَّرَ فِي إِطْلَاقِ الْأَمْوَالِ لِلْفُرْسَانِ وَالْقَوَّادِ، فَنَفَرُوا عَنْهُ وَاتَّضَعَتِ الْوِزَارَةُ بِفِعْلِهِ مَا تَقَدَّمَ.
وَكَانَ أَوْلَادُهُ قَدْ تَحَكَّمُوا عَلَيْهِ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَسْعَى لِمَنْ يَرْتَشِي مِنْهُ، وَكَانَ يُوَلِّي فِي الْأَيَّامِ الْقَلِيلَةِ عِدَّةً مِنَ الْعُمَّالِ، حَتَّى إِنَّهُ وَلَّى بِالْكُوفَةِ، فِي مُدَّةِ عِشْرِينَ يَوْمًا، سَبْعَةً مِنَ الْعُمَّالِ، فَاجْتَمَعُوا فِي الطَّرِيقِ، فَعَرَضُوا تَوْقِيعَاتِهِمْ، فَسَارَ الْأَخِيرُ مِنْهُمْ، وَعَادَ الْبَاقُونَ يَطْلُبُونَ مَا خَدَمُوا بِهِ أَوْلَادَهُ، فَقِيلَ فِيهِ:
وَزِيرٌ قَدْ تَكَامَلَ فِي الرَّقَاعِهْ ... يُوَلِّي ثُمَّ يَعْزِلُ بَعْدَ سَاعِهْ
إِذَا أَهْلُ الرُّشَى اجْتَمَعُوا لَدَيْهِ ... فَخَيْرُ الْقَوْمِ أَوْفَرُهُمْ بِضَاعَهْ
وَلَيْسَ يُلَامُ فِي هَذَا بِحَالٍ ... لِأَنَّ الشَّيْخَ أَفْلَتَ مِنْ مَجَاعَهْ
ثُمَّ زَادَ الْأَمْرُ، حَتَّى تَحَكَّمَ أَصْحَابُهُ، فَكَانُوا يُطْلِقُونَ الْأَمْوَالَ وَيُفْسِدُونَ الْأَحْوَالَ، فَانْحَلَّتِ الْقَوَاعِدُ، وَخَبُثَتِ النِّيَّاتُ، وَاشْتَغَلَ الْخَلِيفَةُ بِعَزْلِ وُزَرَائِهِ وَالْقَبْضِ عَلَيْهِمْ، وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِ النِّسَاءِ وَالْخَدَمِ، وَالتَّصَرُّفِ عَلَى مُقْتَضَى آرَائِهِمْ، فَخَرَجَتِ الْمَمَالِكُ، وَطَمِعَ الْعُمَّالُ فِي الْأَطْرَافِ، وَكَانَ مَا نَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute