للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَتَبَ سَابُورُ إِلَى جُنُودِهِ وَقُوَّادِهِ يُعْلِمُهُمْ مَا لَقِيَ مِنَ الرُّومِ وَالْعَرَبِ، وَيَسْتَحِثُّهُمْ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَيْهِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَعَادَ وَاسْتَنْقَذَ مَدِينَةَ طَيْسَفُونَ، وَنَزَلَ إِلْيَانُوسُ مَدِينَةَ بَهْرَسِيرَ، وَاخْتَلَفَ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا، فَبَيْنَمَا إِلْيَانُوسُ جَالِسٌ أَصَابَهُ سَهْمٌ لَا يُعْرَفُ رَامِيهِ فَقَتَلَهُ، فَسَقَطَ فِي أَيْدِي الرُّومِ، وَيَئِسُوا مِنَ الْخَلَاصِ مِنْ بِلَادِ الْفُرْسِ، فَطَلَبُوا مِنْ يُوسَانُوسَ أَنْ يُمَلَّكَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَفْعَلْ وَأَبَى إِلَّا أَنْ يَعُودُوا إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ عَلَى مِلَّتِهِ، وَإِنَّمَا كَتَمُوا ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ إِلْيَانُوسَ. فَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ.

وَأَرْسَلَ سَابُورُ إِلَى الرُّومِ يَتَهَدَّدُهُمْ، وَيَطْلُبُ الَّذِي مُلِّكَ عَلَيْهِمْ لِيَجْتَمِعَ بِهِ، فَسَارَ إِلَيْهِ يُوسَانُوسُ فِي ثَمَانِينَ رَجُلًا، فَتَلَقَّاهُ سَابُورُ وَتَسَاجَدَا وَطَعِمَا، وَقَوَّى سَابُورُ أَمْرَ يُوسَانُوسَ بِجُهْدِهِ، وَقَالَ لِلرُّومِ: إِنَّكُمْ أَخْرَبْتُمْ بِلَادَنَا وَأَفْسَدْتُمْ فِيهَا، فَإِمَّا أَنْ تُعْطُونَا قِيمَةَ مَا أَهْلَكْتُمْ وَإِمَّا أَنْ تُعَوِّضُونَا نَصِيبِينَ، وَكَانَتْ قَدِيمًا لِلْفُرْسِ، فَغَلَبَتِ الرُّومُ عَلَيْهَا، فَدَفَعُوهَا إِلَيْهِمْ، وَتَحَوَّلَ أَهْلُهَا عَنْهَا، فَحَوَّلَ إِلَيْهَا سَابُورُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ مِنْ أَهْلِ إِصْطَخْرَ وَأَصْبَهَانَ وَغَيْرِهِمَا، وَعَادَتِ الرُّومُ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَهَلَكَ مَلِكُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ.

وَقِيلَ: إِنَّ سَابُورَ سَارَ إِلَى حَدِّ الرُّومِ وَأَعْلَمَ أَصْحَابَهُ أَنَّهُ عَلَى قَصْدِ الرُّومِ مُخْتَفِيًا لِمَعْرِفَةِ أَحْوَالِهِمْ وَأَخْبَارِ مُدُنِهِمْ، وَسَارَ إِلَيْهِمْ، فَجَالَ فِيهِمْ حِينًا، وَبَلَغَهُ أَنَّ قَيْصَرَ أَوْلَمَ وَجَمَعَ النَّاسَ فَحَضَرَ بِزِيِّ سَائِلٍ لِيَنْظُرَ إِلَى قَيْصَرَ عَلَى الطَّعَامِ، فَفَطِنَ بِهِ وَأُخِذَ وَأُدْرِجَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ.

وَسَارَ قَيْصَرُ بِجُنُودِهِ إِلَى أَرْضِ فَارِسَ وَمَعَهُ سَابُورُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَتَلَ وَأَخْرَبَ حَتَّى بَلَغَ جُنْدَيْسَابُورْ، فَتَحَصَّنَ أَهْلُهَا وَحَاصَرَهَا، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَاصِرُهَا إِذْ غَفَلَ الْمُوَكَّلُونَ بِحِرَاسَةِ سَابُورَ، وَكَانَ بِقُرْبِهِ قَوْمٌ مِنْ سَبْيِ الْأَهْوَازِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُلْقُوا عَلَى الْقَدِّ الَّذِي عَلَيْهِ زَيْتًا كَانَ بِقُرْبِهِمْ، فَفَعَلُوا، وَلَانَ الْجِلْدُ وَانْسَلَّ مِنْهُ وَسَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرَ حُرَّاسَهَا فَأَدْخَلُوهُ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ أَهْلِهَا، فَاسْتَيْقَظَ الرُّومُ، وَجَمَعَ سَابُورُ مَنْ بِهَا وَعَبَّاهُمْ، وَخَرَجَ إِلَى الرُّومِ سَحَرَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَقَتَلَهُمْ وَأَسَرَ قَيْصَرَ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُ وَنِسَاءَهُ وَأَثْقَلَهُ بِالْحَدِيدِ، وَأَمَرَهُ بِعِمَارَةِ مَا أَخْرَبَ، وَأَلْزَمَهُ بِنَقْلِ التُّرَابِ مِنْ بَلَدِ الرُّومِ لِيَبْنِيَ مَا هَدَمَ الْمَنْجَنِيقُ مِنْ جُنْدَيْسَابُورْ، وَأَنْ يَغْرِسَ الزَّيْتُونَ مَكَانَ النَّخْلِ، ثُمَّ قَطَعَ عَقِبَهُ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى الرُّومِ عَلَى حِمَارٍ وَقَالَ: هَذَا جَزَاؤُكَ بِبَغْيِكَ عَلَيْنَا، فَأَقَامَ مُدَّةً ثُمَّ غَزَا فَقَتَلَ وَسَبَى سَبَايَا أَسْكَنَهُمْ مَدِينَةً بَنَاهَا بِنَاحِيَةِ السُّوسِ سَمَّاهَا إِيرَانَ شَهْرَ سَابُورَ، وَبَنَى مَدِينَةَ نَيْسَابُورَ بِخُرَاسَانَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>