الْحَاجِّ، وَكَانَ فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ بَغْدَاذَ وَغَيْرِهِمْ، فَنَهَبَهُمْ، وَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِبَاقِي الْحَاجِّ وَهُمْ بِفَيْدَ فَأَقَامُوا بِهَا حَتَّى فَنِيَ زَادُهُمْ، فَارْتَحَلُوا مُسْرِعِينَ.
وَكَانَ أَبُو الْهَيْجَاءِ بْنُ حَمْدَانَ قَدْ أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِالْعَوْدِ إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَأَنَّهُمْ لَا يُقِيمُونَ بِفَيْدَ، فَاسْتَطَالُوا الطَّرِيقَ، وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَكَانَ إِلَى أَبِي الْهَيْجَاءِ طَرِيقُ الْكُوفَةِ، وَكَثِيرُ الْحَاجِّ، فَلَمَّا فَنِيَ زَادُهُمْ سَارُوا عَلَى طَرِيقِ الْكُوفَةِ، فَأَوْقَعَ بِهِمُ الْقَرَامِطَةُ، وَأَخَذُوهُمْ، وَأَسَرُوا أَبَا الْهَيْجَاءِ، وَأَحْمَدَ بْنَ كُشْمُرْدَ، وَنِحْرِيرًا وَأَحْمَدَ بْنَ بَدْرٍ عَمَّ وَالِدَةِ الْمُقْتَدِرِ، وَأَخَذَ أَبُو طَاهِرٍ جِمَالَ الْحُجَّاجِ جَمِيعَهَا وَمَا أَرَادَ مِنَ الْأَمْتِعَةِ، وَالْأَمْوَالِ، وَالنِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ، وَعَادَ إِلَى هَجَرَ وَتَرَكَ الْحَاجَّ فِي مَوَاضِعِهِمْ، فَمَاتَ أَكْثَرُهُمْ جُوعًا، وَمِنْ حَرِّ الشَّمْسِ.
وَكَانَ عُمْرُ أَبِي طَاهِرٍ حِينَئِذٍ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَانْقَلَبَتْ بَغْدَاذُ، وَاجْتَمَعَ حُرَمُ الْمَأْخُوذِينَ إِلَى حُرَمِ الْمَنْكُوبِينَ الَّذِينَ نَكَبَهُمُ ابْنُ الْفُرَاتِ، وَجَعَلْنَ يُنَادِينَ: الْقَرْمَطِيُّ الصَّغِيرُ، (أَبُو طَاهِرٍ) قَتَلَ الْمُسْلِمِينَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، وَالْقَرْمَطِيُّ الْكَبِيرُ ابْنُ الْفُرَاتِ قَدْ قَتَلَ الْمُسْلِمِينَ بِبَغْدَاذَ.
وَكَانَتْ صُورَةً فَظِيعَةً شَنِيعَةً، وَكَسَرَ الْعَامَّةُ مَنَابِرَ الْجَوَامِعِ، وَسَوَّدُوا الْمَحَارِيبَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرٍ، وَضَعُفَتْ نَفْسُ ابْنِ الْفُرَاتِ، وَحَضَرَ عِنْدَ الْمُقْتَدِرِ لِيَأْخُذَ أَمْرَهُ فِيمَا يَفْعَلُهُ، وَحَضَرَ نَصْرٌ الْحَاجِبُ الْمَشُورَةَ فَانْبَسَطَ لِسَانُهُ عَلَى ابْنِ الْفُرَاتِ، وَقَالَ لَهُ: السَّاعَةَ تَقُولُ أَيَّ شَيْءٍ نَصْنَعُ، وَمَا هُوَ الرَّأْيُ بَعْدَ أَنْ زَعْزَعْتَ أَرْكَانَ الدَّوْلَةِ، وَعَرَّضْتَهَا لِلزَّوَالِ فِي الْبَاطِنِ بِالْمَيْلِ مَعَ كُلِّ عَدُوٍّ يَظْهَرُ وَمُكَاتَبَتِهِ، وَمُهَادَنَتِهِ، وَفِي الظَّاهِرِ بِإِبْعَادِكَ مُؤْنِسًا وَمَنْ مَعَهُ إِلَى الرَّقَّةِ، وَهُمْ سُيُوفُ الدَّوْلَةِ، فَمَنْ يَدْفَعُ الْآنَ هَذَا الرَّجُلَ إِنْ قَصَدَ الْحَضْرَةَ أَنْتَ أَوْ وَلَدُكَ؟ وَقَدْ ظَهَرَ الْآنَ أَنَّ مَقْصُودَكَ بِإِبْعَادِ مُؤْنِسٍ وَبِالْقَبْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute