فَرَكِبَ هُوَ وَوَلَدُهُ إِلَى الْمُقْتَدِرِ، فَأَدْخَلَهُمَا إِلَيْهِ فَطَيَّبَ) قُلُوبَهُمَا فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ فَمَنَعَهُمَا نَصْرٌ الْحَاجِبُ مِنَ الْخُرُوجِ وَوَكَّلَ بِهِمَا، فَدَخَلَ عَلَى الْمُقْتَدِرِ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ عَزْلِهِ فَأَمَرَ بِإِطْلَاقِهِمَا، فَخَرَجَ هُوَ وَابْنُهُ الْمُحَسِّنُ، فَأَمَّا الْمُحَسِّنُ فَإِنَّهُ اخْتَفَى وَأَمَّا الْوَزِيرُ فَإِنَّهُ جَلَسَ عَامَّةَ نَهَارِهِ يُمْضِي الْأَشْغَالَ إِلَى اللَّيْلِ، ثُمَّ بَاتَ مُفَكِّرًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ سَمِعَهُ بَعْضُ خَدَمِهِ يُنْشِدُ:
وَأَصْبَحَ لَا يَدْرِي وَإِنْ كَانَ حَازِمًا ... أَقُدَّامَهُ خَيْرٌ لَهُ أَمْ وَرَاءَهُ
فَلَمَّا أَصْبَحَ الْغَدُ، وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَارْتَفَعَ النَّهَارُ أَتَاهُ نَازُوكُ، وَبُلَيْقٌ فِي عِدَّةٍ مِنَ الْجُنْدِ، فَدَخَلُوا إِلَى الْوَزِيرِ، وَهُوَ عِنْدَ الْحَرَمِ، فَأَخْرَجُوهُ حَافِيًا مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، وَأُخِذَ إِلَى دِجْلَةَ، فَأَلْقَى عَلَيْهِ بُلَيْقٌ طَيْلَسَانًا غَطَّى بِهِ رَأَسَهُ، وَحُمِلَ إِلَى طَيَّارٍ فِيهِ مُؤْنِسٌ الْمُظَفَّرُ، وَمَعَهُ هِلَالُ بْنُ بَدْرٍ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ ابْنُ الْفُرَاتِ، وَأَلَانَ كَلَامَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَنَا الْآنَ الْأُسْتَاذُ، وَكُنْتُ بِالْأَمْسِ الْخَائِنَ السَّاعِيَ فِي فَسَادِ الدَّوْلَةِ، وَأَخْرَجْتَنِي وَالْمَطَرُ عَلَى رَأْسِي وَرُءُوسِ أَصْحَابِي، (وَلَمْ تُمْهِلْنِي) .
ثُمَّ سُلِّمَ إِلَى شَفِيعٍ اللُّؤْلُؤِيِّ، فَحُبِسَ عِنْدَهُ، وَكَانَتْ مُدَّةُ وِزَارَتِهِ هَذِهِ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَأُخِذَ أَصْحَابُهُ وَأَوْلَادُهُ وَلَمْ يَنْهَجْ مِنْهُمْ إِلَّا الْمُحَسِّنُ، فَإِنَّهُ اخْتَفَى، وَصُودِرَ ابْنُ الْفُرَاتِ عَلَى جُمْلَةٍ مِنَ الْمَالِ مَبْلَغُهَا أَلْفُ أَلْفِ دِينَارٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute