الْقَرْيَةِ عَلَى تَرْكِهِ سَدَّ فَاقَتِهِمْ حَتَّى لَا يُضْطَرُّوا إِلَى مُفَارَقَةِ أَوْطَانِهِمْ، وَبَنَى مَدِينَةَ سَابَاطَ بِقُرْبِ الْمَدَائِنِ، وَكَانَ مُلْكُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ.
ذِكْرُ مُلْكِ قُبَاذَ بْنِ فَيْرُوزَ بْنِ يَزْدَجِرْدَ
وَكَانَ قُبَاذُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْمُلْكُ إِلَيْهِ، قَدْ سَارَ إِلَى خَاقَانَ مُسْتَنْصِرًا بِهِ عَلَى أَخِيهِ بَلَاشَ، فَمَرَّ فِي طَرِيقِهِ بِحُدُودِ نَيْسَابُورَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مُتَنَكِّرِينَ، وَفِيهِمْ زَرْمِهْرُ بْنُ سُوخْرَا، فَتَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى النِّكَاحِ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى زَرْمِهْرَ وَطَلَبَ مِنْهُ امْرَأَةً، فَسَارَ إِلَى امْرَأَةِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ، وَكَانَ مِنَ الْأَسَاوِرَةِ، وَكَانَ لَهَا بِنْتٌ حَسْنَاءُ، فَخَطَبَهَا مِنْهَا وَأَطْمَعَهَا وَزَوَّجَهَا، فَزَوَّجَا قُبَاذَ بِهَا، فَدَخَلَ بِهَا مِنْ لَيْلَتِهِ، فَحَمَلَتْ بِأَنُوشِرْوَانَ، وَأَمَرَ لَهَا بِجَائِزَةٍ سَنِيَّةٍ وَرَدَّهَا، وَسَأَلَتْهَا أُمُّهَا عَنْ قُبَاذَ وَحَالِهِ. فَذَكَرَتْ أَنَّهَا لَا تَعْرِفُ مِنْ حَالِهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ سَرَاوِيلَهُ مَنْسُوجَةٌ بِالذَّهَبِ، فَعَلِمَتْ أَنَّهُ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ.
وَمَضَى قُبَاذُ إِلَى خَاقَانَ وَاسْتَنْصَرَهُ عَلَى أَخِيهِ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَهُوَ يُعِدُّهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ مَعَهُ جَيْشًا. فَلَمَّا صَارَ بِالْقُرْبِ مِنَ النَّاحِيَةِ الَّتِي بِهَا زَوْجَتُهُ سَأَلَ عَنْهَا فَأُحْضِرَتْ وَمَعَهَا أَنُوشِرْوَانُ وَأَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ ابْنُهُ. وَوَرَدَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ الْمَكَانِ أَنَّ أَخَاهُ بَلَاشَ قَدْ هَلَكَ، فَتَيَمَّنَ بِالْمَوْلُودِ وَحَمَلَهُ وَأُمَّهُ عَلَى مَرَاكِبِ نِسَاءِ الْمُلُوكِ وَاسْتَوْثَقَ لَهُ الْمَلِكُ وَخَصَّ سُوخْرَا وَشَكَرَ لِوَلَدِهِ خِدْمَتَهُ. وَتَوَلَّى سُوخْرَا الْأَمْرَ، فَمَالَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَهَاوَنُوا بِقُبَاذَ، فَلَمْ يَحْتَمِلْ ذَلِكَ. فَكَتَبَ إِلَى سَابُورَ الرَّازِيِّ، وَهُوَ أَصْبِهْبَذَ دِيَارِ الْجَبَلِ، وَيُقَالُ لِلْبَيْتِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ مِهْرَانُ، فَاسْتَقْدَمَهُ وَمَعَهُ جُنْدُهُ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ فَأَعْلَمَهُ عَزْمَهُ عَلَى قَتْلِ سُوخْرَا وَأَمَرَهُ بِكِتْمَانِ ذَلِكَ، فَأَتَاهُ يَوْمًا سَابُورُ وَسُوخْرَا عِنْدَ قُبَاذَ فَأَلْقَى فِي عُنُقِهِ وَهَقًا، وَأَخَذَهُ وَحَبَسَهُ ثُمَّ خَنَقَهُ قُبَاذُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى أَهْلِهِ وَقَدَّمَ عِوَضَهُ سَابُورَ الرَّازِيَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute