للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ خَادِمٌ أَسْوَدُ اسْمُهُ صَنْدَلٌ، وَكَانَ مِنْ أَعْيَانِهِمْ، وَكَانَ خَادِمٌ اسْمُهُ مُؤْتَمَنٌ، فَبَاعَهُ، فَاتَّصَلَ بِالْقَاهِرِ قَبْلَ خِلَافَتِهِ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ قَدَّمَهُ وَجَعَلَهُ لِرَسَائِلِهِ، فَلَمَّا بُلِيَ الْقَاهِرُ بِابْنِ بُلَيْقٍ وَسُوءِ مُعَامَلَتِهِ كَانَ كَالْغَرِيقِ يَتَمَسَّكُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَكَانَ خَبِيرًا بِالدَّهَاءِ وَالْمَكْرِ، فَأَمَرَ مُؤْتَمَنًا أَنْ يَقْصِدَ صَنْدَلًا السَّاجِيَّ الَّذِي بَاعَهُ، وَيَشْكُوَ مِنَ الْقَاهِرِ، فَإِنْ رَأَى مِنْهُ رَدًّا لِمَا يَقُولُهُ أَعْلَمَهُ بِحَالِ الْقَاهِرِ وَمَا يُقَاسِي مِنِ ابْنِ بُلَيْقٍ وَابْنِهِ، وَإِنْ رَأَى مِنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ سَكَتَ فَجَاءَ إِلَيْهِ وَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ.

فَلَمَّا شَكَا قَالَ لَهُ صَنْدَلٌ: وَفِي أَيِّ شَيْءٍ هُوَ الْخَلِيفَةُ حَتَّى يُعْطِيَكَ، وَيُوَسِّعَ عَلَيْكَ؟ إِنْ فَرَجَّ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْمُفْسِدِ احْتَجْتُ أَنَا وَغَيْرِي إِلَيْكَ، وَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ وَصَدَقَةٌ إِنْ مَلَكَ الْخَلِيفَةُ أَمْرَهُ، وَاسْتَرَاحَ، وَأَرَاحَنَا مِنْ هَذَا الْمَلْعُونِ، فَأَعَادَ الْمُؤْتَمَنُ الْحَدِيثَ عَلَى الْقَاهِرِ، فَأَرْسَلَ عَلَى يَدِهِ هَدِيَّةً جَمِيلَةً مِنْ طِيبٍ وَغَيْرِهِ إِلَى زَوْجَةِ صَنْدَلٍ، وَقَالَ لَهُ: تَحْمِلُهُ إِلَيْهَا، وَزَوْجُهَا غَائِبٌ عَنْهَا، وَتَقُولُ لَهَا إِنَّ الْخَلِيفَةَ قَسَّمَ فِينَا شَيْئًا، وَهَذَا مِنْ نَصِيبِي أَهْدَيْتُهُ إِلَيْكُمْ، فَفَعَلَ هَذَا، فَقَبِلَتْهُ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا مِنَ الْغَدِ وَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ قَالَ صَنْدَلٌ لَمَّا رَأَى انْبِسَاطِي عَلَيْكُمْ؟ فَقَالَتْ: اجْتَمَعَ هُوَ وَفُلَانٌ، وَذَكَرَتْ سِتَّةَ نَفَرٍ مِنْ أَعْيَانِهِمْ، وَرَأَوْا مَا أَهْدَيْتَ إِلَيْنَا فَاسْتَعْمَلُوا مِنْهُ وَدَعَوْا لِلْخَلِيفَةِ.

فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَهَا إِذْ حَضَرَ زَوْجُهَا فَشَكَرَ مُؤْتَمَنًا، وَسَأَلَهُ عَنْ أَحْوَالِ الْخَلِيفَةِ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَصَفَهُ بِالْكَرَمِ، وَحُسْنِ الْأَخْلَاقِ، وَصَلَابَتِهِ فِي الدِّينِ، فَقَالَ صَنْدَلٌ إِنَّ ابْنَ بُلَيْقٍ نَسَبَهُ إِلَى قِلَّةِ الدِّينِ، وَيَرْمِيهِ بِأَشْيَاءَ قَبِيحَةٍ، فَحَلَفَ مُؤْتَمَنٌ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ، وَأَنَّ جَمِيعَهُ كَذِبٌ.

ثُمَّ أَمَرَ الْقَاهِرُ مُؤْتَمَنًا أَنْ يَقْصِدَ زَوْجَةَ صَنْدَلٍ، وَيَسْتَدْعِيَهَا إِلَى قَهْرَمَانَةِ الْقَاهِرِ فَتَحْضُرَ مُتَنَكِّرَةً عَلَى أَنَّهَا قَابِلَةٌ يَأْنَسُ بِهَا مَنْ عِنْدَ الْقَاهِرِ، لَمَّا كَانُوا بِدَارِ ابْنِ طَاهِرٍ وَقَدْ حَضَرَتْ لِحَاجَةِ بَعْضِ أَهْلِ الدَّارِ إِلَيْهَا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، وَدَخَلَتِ الدَّارَ وَبَاتَتْ عِنْدَهُمْ، فَحَمَّلَهَا الْقَاهِرُ رِسَالَةً إِلَى زَوْجِهَا وَرُفَقَائِهِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رُقْعَةً بِخَطِّهِ يَعِدُهُمْ بِالزِّيَادَةِ فِي الْأَقْطَاعِ وَالْجَارِي، وَأَعْطَاهَا لِنَفْسِهَا مَالًا، فَعَادَتْ إِلَى زَوْجِهَا وَأَخْبَرَتْهُ بِمَا كَانَ جَمِيعُهُ، فَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى ابْنِ بُلَيْقٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ دَارِ ابْنِ طَاهِرٍ دَخَلَتْ إِلَى دَارِ الْخَلِيفَةِ، فَلِهَذَا مَنَعَ ابْنُ بُلَيْقٍ مِنْ دُخُولِ امْرَأَةٍ حَتَّى تُبْصَرَ وَتُعْرَفَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>