حَاجِبِهِ: يَا سَلَامَةُ، أَنْتَ بَيْنَ يَدَيَّ كَنْزُ مَالٍ يَمْشِي، فَأَيُّ شَيْءٍ يَبِينُ فِي مَالِكَ لَوْ أَعْطَيْتَنِي أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ؟ فَيَحْمِلُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى الْهَزْلِ.
وَكَانَ وَزِيرُهُ الْخُصَيْبِيُّ أَيْضًا خَائِفًا لِمَا يَرَى مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّهُ حَفَرَ فِي الدَّارِ نَحْوَ خَمْسِينَ مَطْمُورَةً تَحْتَ الْأَرْضِ، وَأَحْكَمَ أَبْوَابَهَا، فَكَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ عَمِلَهَا لِمُقَدِّمِي السَّاجِيَّةِ وَالْحَجَرِيَّةِ، فَازْدَادَ نُفُورُهُمْ مِنْهُ وَخَوْفُهُمْ، ثُمَّ إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْقَرَامِطَةِ أَخَذُوا بِفَارِسَ وَأَرْسَلُوا إِلَى بَغْدَاذَ، كَمَا تَقَدَّمَ، فَحُبِسُوا فِي تِلْكَ الْمَطَامِيرِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ سِرًّا بِفَتْحِ الْأَبْوَابِ عَلَيْهِمْ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَقْوَى بِهِمْ عَلَى الْقَبْضِ عَلَى مُقَدِّمِي الْحَجَرِيَّةِ وَالسَّاجِيَّةِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ غِلْمَانِهِ.
وَأَنْكَرَ الْحَجَرِيَّةُ وَالسَّاجِيَّةُ حَالَ الْقَرَامِطَةِ، وَكَوْنِهِمْ مَعَهُ فِي دَارِهِ مُحْسِنًا إِلَيْهِمْ، وَقَالُوا لِوَزِيرِهِ الْخُصَيْبِيِّ، وَحَاجِبِهِ سَلَامَةَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَا لَهُ، فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ الدَّارِ، فَسَلَّمَهُمْ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَاقُوتٍ، وَهُوَ عَلَى شُرْطَةِ بَغْدَاذَ، فَأَنْزَلَهُمْ فِي دَارٍ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ يَدْخُلُ إِلَيْهِمْ مَنْ يُرِيدُ، فَعَظُمَ اسْتِيحَاشُهُمْ.
ثُمَّ صَارَ يَذُمُّهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَيُظْهِرُ كَرَاهَتَهُمْ، حَتَّى تَبَيَّنُوا ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَحَرَكَاتِهِ مَعَهُمْ، فَأَظْهَرُوا أَنَّ لِبَعْضِ قُوَّادِهِمْ عُرْسًا، فَاجْتَمَعُوا بِحُجَّتِهِ، وَقَرَّرُوا بَيْنَهُمْ مَا أَرَادُوا، وَافْتَرَقُوا، وَأَرْسَلُوا إِلَى سَابُوُرَ خَادِمِ وَالِدَةِ الْمُقْتَدِرِ، فَقَالُوا لَهُ: قَدْ عَلِمْتَ مَا فَعَلَهُ بِمَوْلَاتِكَ، وَقَدْ رَكِبَتْ فِي مُوَافَقَتِهِ كُلَّ عَظِيمٍ، فَإِنْ وَافَقْتَنَا عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، وَتَقَدَّمْتَ إِلَى الْخَدَمِ بِحِفْظِهِ، فَعَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ مِنْكَ، وَإِلَّا فَنَحْنُ نَبْدَأُ بِكَ، فَأَعْلَمَهُمْ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالْكَرَاهَةِ لِلْقَاهِرِ، وَأَنَّهُ مُوَافِقُهُمْ، وَكَانَ ابْنُ مُقْلَةَ مَعَ هَذَا يَصْنَعُ عَلَيْهِ وَيَسْعَى فِيهِ إِلَى أَنْ خُلِعَ، كَمَا ذَكَرْنَا، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سَنَةً وَاحِدَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ.
ذِكْرُ خِلَافَةِ الرَّاضِي بِاللَّهِ
هُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ، وَلَمَّا قُبِضَ الْقَاهِرُ سَأَلُوا الْخَدَمَ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُقْتَدِرِ، فَدَلُّوهُمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ هُوَ وَوَالِدَتُهُ مَحْبُوسِينَ، فَقَصَدُوهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute