وَقَدْ زَعَمَ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْفُرْسِ أَنَّ جُيُومَرْثَ هُوَ آدَمُ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ مِنْ حَوَّاءَ، وَقَالُوا فِيهِ أَقْوَالًا كَثِيرَةً يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْكِتَابُ إِذْ كَانَ قَصْدُنَا ذِكْرَ الْمُلُوكِ وَأَيَّامِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي نَسَبِ مَلِكٍ مِنْ جِنْسٍ مَا أَنْشَأْنَا لَهُ الْكِتَابَ، فَإِنْ ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلِتَعْرِيفِ مَنْ ذَكَرْنَا لِيَعْرِفَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِهِ.
وَقَدْ خَالَفَ عُلَمَاءَ الْفُرْسِ فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ آدَمُ، وَوَافَقَ عُلَمَاءُ الْفُرْسِ عَلَى اسْمِهِ، وَخَالَفَهُمْ فِي عَيْنِهِ وَصِفَتِهِ، فَزَعَمَ أَنَّ جُيُومَرْثَ الَّذِي زَعَمَتِ الْفُرْسُ أَنَّهُ آدَمُ، إِنَّمَا هُوَ حَامُ بْنُ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ، وَأَنَّهُ كَانَ مُعَمَّرًا سَيِّدًا نَزَلَ جَبَلَ دُنْبَاوَنْدَ مِنْ جِبَالِ طَبَرِسْتَانَ مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ، وَتَمَلَّكَ بِهَا وَبِفَارِسَ، وَعَظُمَ أَمْرُهُ وَأَمْرُ وَلَدِهِ حَتَّى مَلَكُوا بَابِلَ، وَمَلَكُوا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْأَقَالِيمَ كُلَّهَا، وَابْتَنَى جُيُومَرْثُ الْمُدُنَ، وَالْحُصُونَ، وَأَعَدَّ السِّلَاحَ، وَاتَّخَذَ الْحِيَلَ، وَتَجَبَّرَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ، وَتَسَمَّى بِآدَمَ، وَقَالَ: مَنْ سَمَّانِي بِغَيْرِهِ قَتَلْتُهُ، وَتَزَوَّجَ ثَلَاثِينَ امْرَأَةً، فَكَثُرَ مِنْهُنَّ نَسْلُهُ، وَأَنَّ مَارِيَ ابْنَهُ وَمَارِيَانَةَ أُخْتَهُ مِمَّنْ كَانَا وُلِدَا فِي آخِرِ عُمُرِهِ، فَأُعْجِبَ بِهِمَا وَقَدَّمَهُمَا، فَصَارَ الْمُلُوكُ مِنْ نَسْلِهِمَا.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ مِنْ أَمْرِ جُيُومَرْثَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا ذَكَرْتُ لِأَنَّهُ لَا تَدَافُعَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأُمَمِ أَنَّهُ أَبُو الْفُرْسِ مِنَ الْعَجَمِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ، أَمْ غَيْرُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؟ وَمَعَ ذَلِكَ فَلِأَنَّ مُلْكَهُ وَمُلْكَ أَوْلَادِهِ لَمْ يَزَلْ مُنْتَظِمًا عَلَى سِيَاقٍ مُتَّصِلٍ بِأَرْضِ الْمَشْرِقِ وَجِبَالِهَا إِلَى أَنْ قُتِلَ يَزْدَجِرْدُ بْنُ شَهْرَيَارَ بِمَرْوَ أَيَّامَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَالتَّارِيخُ عَلَى أَسْمَاءِ مُلُوكِهِمْ أَسْهَلُ بَيَانًا، وَأَقْرَبُ إِلَى التَّحْقِيقِ مِنْهُ عَلَى أَعْمَارِ مُلُوكِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، إِذْ لَا يُعْلَمُ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ يَنْتَسِبُونَ إِلَى آدَمَ دَامَتْ لَهُمُ الْمَمْلَكَةُ وَاتَّصَلَ الْمُلْكُ لِمُلُوكِهِمْ يَأْخُذُهُ آخِرُهُمْ عَنْ أَوَّلِهِمْ، وَغَابِرُهُمْ عَنْ سَالِفِهِمْ سِوَاهُمْ.
وَأَنَا ذَاكِرٌ مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي عُمُرِ آدَمَ، وَأَعْمَارِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ وَلَدِهِ مِنَ الْمُلُوكِ، وَالْأَنْبِيَاءِ، وَجُيُومَرْثَ أَبِي الْفُرْسِ، فَأَذْكُرُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِمْ إِلَى الْحَالِ الَّتِي اجْتَمَعُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute