وَالْتَحَقَ بِمَرْدَاوَيْجَ، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ قَتَلَهُ، وَسَارَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَاتَّصَلَ بِابْنِ رَائِقٍ، وَسَيَّرَهُ إِلَى الْأَهْوَازِ، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَطَرَدَ الْبَرِيدِيَّ عَنْهَا.
(ثُمَّ خَرَجَ الْبَرِيدِيُّ مَعَ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ مِنْ فَارِسَ إِلَى الْأَهْوَازِ، فَأَخَذُوهَا مِنْ بُجْكُمَ، وَانْتَقَلَ بُجْكُمُ مِنَ الْأَهْوَازِ إِلَى وَاسِطَ) ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِوَاسِطَ تَعَلَّقَتْ هِمَّتُهُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَضْرَةِ الْخَلِيفَةِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُظْهِرُ التَّبَعِيَّةَ لِابنِ رَائِقٍ، وَكَانَ عَلَى أَعْلَامِهِ وَتِرَاسِهِ بُجْكُمُ الرَّائِقِيُّ، فَلَمَّا وَصَلَتْهُ كُتُبُ ابْنِ مُقْلَةَ يُعَرِّفُهُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَقَرَّ مَعَ الرَّاضِي أَنْ يُقَلِّدَهُ إِمْرَةَ الْأُمَرَاءِ، طَمِعَ فِي ذَلِكَ، وَكَاشَفَ ابْنَ رَائِقٍ وَمَحَا نِسْبَتَهُ إِلَيْهِ مِنْ أَعْلَامِهِ، وَسَارَ مِنْ وَاسِطَ نَحْوَ بَغْدَاذَ غُرَّةَ ذِي الْقِعْدَةِ.
وَاسْتَعَدَّ ابْنُ رَائِقٍ لَهُ، وَسَأَلَ الرَّاضِيَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى بُجْكُمَ يَأْمُرُهُ بِالْعَوْدِ إِلَى وَاسِطَ، فَكَتَبَ الرَّاضِي إِلَيْهِ، وَسَيَّرَ الْكُتَّابَ، فَلَمَّا قَرَأَهُ، أَلْقَاهُ عَنْ يَدِهِ وَرَمَى بِهِ، وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ شَرْقِيَّ نَهَرَ دِيَالِي، وَكَانَ أَصْحَابُ ابْنِ رَائِقٍ عَلَى غَرْبَيْهِ، فَأَلْقَى أَصْحَابُ بُجْكُمَ نُفُوسَهُمْ فِي الْمَاءِ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ ابْنِ رَائِقٍ، وَعَبَرَ أَصْحَابُ بُجْكُمَ وَسَارُوا إِلَى بَغْدَاذَ، وَخَرَجَ ابْنُ رَائِقٍ عَنْهَا إِلَى عُكْبَرَا، وَدَخَلَ بُجْكُمُ بَغْدَاذَ ثَالِثَ عَشَرَ ذِي الْقِعْدَةِ، وَلَقِيَ الرَّاضِيَ مِنَ الْغَدِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ أَمِيرَ الْأُمَرَاءِ، وَكَتَبَ كُتُبًا عَنِ الرَّاضِي إِلَى الْقُوَّادِ الَّذِينَ مَعَ ابْنِ رَائِقٍ يَأْمُرُهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى بَغْدَاذَ، فَفَارَقُوهُ جَمِيهُمْ وَعَادُوا.
فَلَمَّا رَأَى ابْنُ رَائِقٍ ذَلِكَ، عَادَ إِلَى بَغْدَاذَ وَاسْتَتَرَ، وَنَزَلَ بُجْكُمُ بِدَارَ مُؤْنِسٍ، وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ بِبَغْدَاذَ، فَكَانَتْ مُدَّةُ إِمَارَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ رَائِقٍ سَنَةً وَاحِدَةً وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَمِنْ مَكْرِ بُجْكُمَ أَنَّهُ كَانَ يُرَاسِلُ ابْنَ رَائِقٍ عَلَى لِسَانِ أَبِي زَكَرِيَّاءَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ السُّوسِيِّ، قَالَ أَبُو زَكَرِيَّاءَ: أَشَرْتُ عَلَى بُجْكُمَ أَنَّهُ لَا يُكَاشِفَ ابْنَ رَائِقٍ، فَقَالَ: لِمَ أَشَرْتَ بِهَذَا؟ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ عَلَيْكَ رِئَاسَةٌ وَإِمْرَةٌ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْكَ وَأَكْثَرُ عَدَدًا، وَالْخَلِيفَةُ مَعَهُ، وَالْمَالُ عِنْدَهُ كَثِيرٌ، فَقَالَ: أَمَّا كَثْرَةُ رِجَالِهِ، فَهُوَ جَوْزٌ فَارِغٌ، وَقَدْ بَلَوْتُهُمْ، فَمَا أُبَالِي بِهِمْ قَلُّوا أَمْ كَثُرُوا، وَأَمَّا كَوْنُ الْخَلِيفَةِ مَعَهُ، فَهَذَا لَا يَضُرُّنِي عِنْدَ أَصْحَابِي، وَأَمَّا قِلَّةُ الْمَالِ مَعِي، فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، قَدْ وَفَّيْتُ أَصْحَابِي مُسْتَحَقَّهُمْ، وَمَعِي مَا يُسْتَظْهَرُ بِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute