بِحَرَكَتِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْخَابُورِ اتِّصَالَ رُكُوبِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْصِدُهُمْ، فَرَّقُوا جَمْعَهُمْ وَأَمِنُوهُ، فَأَتَتْهُ عُيُونُهُ بِذَلِكَ عَلَى رَسْمِهِ، فَلَمَّا تَكَامَلَ رِجَالُهُ أَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ، وَأَنْ يُرْسِلُوا غِلْمَانَهُمْ فِي حَمْلِ أَثْقَالِهِمْ، وَسَارَ لِوَقْتِهِ فَصَبَّحَ الشَّمْسَانِيَّةَ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ قُرَى الْخَابُورِ وَأَحْصَنِهَا، فَتَحَصَّنَ أَهْلُهَا مِنْهُ، فَقَاتَلَهُمْ وَنَقَبَ السُّورَ وَمَلَكَهَا وَقَتَلَ فِيهَا، وَأَخَذَ مِنْ أَهْلِهَا مَالًا كَثِيرًا، وَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا، ثُمَّ سَارَ إِلَى غَيرِهَا، فَبَقِيَ فِي الْخَابُورِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَجَبَى الْخَرَاجَ وَالْأَمْوَالَ الْعَظِيمَةَ، وَاسْتَظْهَرَ بِهَا، وَقَوِيَ أَصْحَابُهُ بِمَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا، وَعَادَ إِلَى الرَّحْبَةِ، وَاتَّسَعَتْ حَالُهُ، وَاشْتَدَّ أَمْرُهُ، وَقَصَدَهُ الْعَسَاكِرُ مِنْ بَغْدَاذَ، فَعَظُمَ حَالُهُ.
ثُمَّ إِنَّهُ سَارَ يُرِيدُ نَصِيبِينَ لِعِلْمِهِ بِبُعْدِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ عَنِ الْمَوْصِلِ وَالْبِلَادِ الْجَزِيرِيَّةِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ قَصْدُ الرَّقَّةِ وَحَرَّانَ لِأَنَّهَا كَانَ بِهَا يَأْنَسُ الْمُؤْنِسِيُّ فِي عَسْكَرٍ، وَمَعَهُ جَمْعٌ مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ، فَتَرَكَهَا وَسَارَ إِلَى رَأْسِ عَيْنٍ، وَمِنْهَا إِلَى نَصِيبِينَ، فَاتَّصَلَ خَبَرُهُ بِالْحُسَيْنِ بْنِ حَمْدَانَ، فَجَمَعَ الْجَيْشَ وَسَارَ إِلَيْهِ إِلَى نَصِيبِينَ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُ لَقِيَهُ عَدْلٌ فِي جَيْشِهِ، فَلَمَّا الْتَقَى الْعَسْكَرَانِ، اسْتَأْمَنَ أَصْحَابُهُ مِنْ عَدْلٍ إِلَى ابْنِ حَمْدَانَ، وَبَقِيَ مَعَهُ مِنْهُمْ نَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ خَاصَّتِهِ، فَأَسَرَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَأَسَرَ مَعَهُ ابْنَهُ، فَسَمَلَ عَدْلًا، وَسَيَّرَهُمَا إِلَى بَغْدَاذَ، فَوَصَلَهَا فِي الْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، فَشُهِّرَ هُوَ وَابْنُهُ فِيهَا.
ذِكْرُ حَالِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ بِوَاسِطَ
قَدْ ذَكَرْنَا مُقَامَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ عَلِيِّ بْنِ حَمْدَانَ بِوَاسِطَ بَعْدَ انْحِدَارِ الْبَرِيدِيِّينَ عَنْهَا، وَكَانَ يُرِيدُ الِانْحِدَارَ إِلَى الْبَصْرَةِ لِأَخْذِهَا مِنَ الْبَرِيدِيِّ، وَلَا يُمْكِنُهُ لِقِلَّةِ الْمَالِ عِنْدَهُ، وَيَكْتُبُ إِلَى أَخِيهِ فِي ذَلِكَ، فَلَا يُنْفِذُ إِلَيْهِ شَيْئًا، وَكَانَ تُوزُونُ وَخَجْخَجُ يُسِيئَانِ الْأَدَبَ وَيَتَحَكَّمَانِ عَلَيْهِ.
ثُمَّ إِنَّ نَاصِرَ الدَّوْلَةِ أَنْفَذَ إِلَى أَخِيهِ مَالًا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ لِيُفَرِّقَهُ فِي الْأَتْرَاكِ، فَأَسْمَعَهُ تُوزُونُ وَخَجْخَجُ الْمَكْرُوهَ، وَثَارَا بِهِ، فَأَخَذَهُ سَيْفُ الدَّوْلَةِ وَغَيَّبَهُ عَنْهُمَا وَسَيَّرَهُ إِلَى بَغْدَاذَ، وَأَمَرَ تُوزُونَ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الْجَامِدَةِ وَيَأْخُذَهَا وَيَنْفَرِدَ بِحَاصِلِهَا، وَأَمَرَ خَجْخَجَ أَنْ يَسِيرَ إِلَى مَذَارَ وَيَحْفَظَهَا وَيَأْخُذَ حَاصِلَهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute