للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَتَلَهَا، وَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: إِنَّ لَكَ لَشَأْنًا، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّنَّ عَلَيَّ. وَصَارَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكَمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيَشْفِي النَّاسَ.

وَكَانَ لِلْمَلِكِ ابْنُ عَمٍّ أَعْمَى، فَسَمِعَ بِالْغُلَامِ وَقَتْلِ الْحَيَّةِ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ بَصَرِي. فَقَالَ الْغُلَامُ: إِنْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ بَصَرَكَ تُؤْمِنُ بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ صَادِقًا فَارْدُدْ عَلَيْهِ بَصَرَهُ، فَعَادَ إِلَيْهِ بَصَرُهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ، فَلَمَّا رَآهُ تَعَجَّبَ مِنْهُ وَسَأَلَهُ، فَلَمْ يُخْبِرْهُ، وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فَدَلَّهُ عَلَى الْغُلَامِ، فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ: لَقَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا أَرَى. فَقَالَ: أَنَا لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ، فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّهُ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَأَمَرَ بِهِ فَوُضِعَ الْمِنْشَارُ عَلَى رَأْسِهِ فَشُقَّ بِنِصْفَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لِلْغُلَامِ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَأَرْسَلَهُ إِلَى جَبَلٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ! فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ وَهَلَكُوا.

وَرَجَعَ الْغُلَامُ إِلَى الْمَلِكِ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ. فَغَاظَهُ ذَلِكَ وَأَرْسَلَهُ فِي سَفِينَةٍ إِلَى الْبَحْرِ لِيُلْقُوهُ فِيهِ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ! فَغَرِقُوا وَنَجَا، وَجَاءَ إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ: اقْتُلُوهُ بِالسَّيْفِ، فَضَرَبُوهُ فَنَبَا عَنْهُ. وَفَشَا خَبَرُهُ فِي الْيَمَنِ، فَأَعْظَمَهُ النَّاسُ وَعَلِمُوا أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، فَقَالَ الْغُلَامُ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى قَتْلِي إِلَّا أَنْ تَجْمَعَ أَهْلَ مَمْلَكَتِكَ وَتَرْمِيَنِي بِسَهْمٍ وَتَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ. فَفَعَلَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ. فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ! فَقِيلَ لِلْمَلِكِ: قَدْ نَزَلَ بِكَ مَا تَحْذَرُ. فَأَغْلَقَ أَبْوَابَ الْمَدِينَةِ وَخَدَّ أُخْدُودًا وَمَلَأَهُ نَارًا وَعَرَضَ النَّاسَ، فَمَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ تَرَكَهُ، وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ أَلْقَاهُ فِي الْأُخْدُودِ فَأَحْرَقَهُ.

وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مُؤْمِنَةٌ، وَكَانَ لَهَا ثَلَاثُ بَنِينَ، أَحَدُهُمْ رَضِيعٌ، فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: ارْجِعِي وَإِلَّا قَتَلْتُكِ أَنْتِ وَأَوْلَادَكِ، فَأَبَتْ، فَأَلْقَى ابْنَيْهَا الْكَبِيرَيْنِ، فَأَبَتْ، ثُمَّ أَخَذَ الصَّغِيرَ لِيُلْقِيَهُ فَهَمَّتْ بِالرُّجُوعِ. قَالَ لَهَا الصَّغِيرُ: يَا أُمَّاهُ لَا تَرْجِعِي عَنْ دِينِكِ، لَا بَأْسَ عَلَيْكِ! فَأَلْقَاهُ وَأَلْقَاهَا فِي أَثَرِهِ، وَهَذَا الطِّفْلُ أَحَدُ مَنْ تَكَلَّمَ صَغِيرًا.

قِيلَ: حَفَرَ رَجُلٌ خَرِبَةً بِنَجْرَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَرَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الثَّامِرِ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى ضَرْبَةٍ فِي رَأْسِهِ، فَإِذَا رُفِعَتْ عَنْهَا يَدُهُ جَرَتْ دَمًا، وَإِذَا أُرْسِلَتْ يَدُهُ رَدَّهَا إِلَيْهَا وَهُوَ قَاعِدٌ، فَكَتَبَ فِيهِ إِلَى عُمَرَ، فَأَمَرَ بِتَرْكِهِ عَلَى حَالِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>