وَنَزَلَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ بِدَارِ مُؤْنِسٍ، وَنَزَلَ أَصْحَابُهُ فِي دُورِ النَّاسِ، فَلَحِقَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ شِدَّةً عَظِيمَةً، وَصَارَ رَسْمًا عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ بِبَغْدَاذَ، وَلَمْ يُعْرَفْ بِهَا قَبْلَهُ.
وَأُقِيمُ لِلْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِنَفَقَاتِهِ، وَكَانَتْ رُبَّمَا تَأَخَّرَتْ عَنْهُ، فَأُقِرَّتْ لَهُ مَعَ ذَلِكَ ضَيَاعٌ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ تَوَلَّاهَا أَبُو أَحْمَدَ الشِّيرَازِيُّ كَاتِبُهُ.
ذِكْرُ خَلْعِ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خُلِعَ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَلَمًا الْقَهْرَمَانَةَ صَنَعَتْ دَعْوَةً، حَضَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ قُوَّادِ الدَّيْلَمِ وَالْأَتْرَاكِ، فَاتَّهَمَهَا مُعِزُّ الدَّوْلَةِ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ لِتَأْخُذَ عَلَيْهِمُ الْبَيْعَةَ لِلْمُسْتَكْفِي وَيُزِيلُوا مُعِزَّ الدَّوْلَةِ، فَسَاءَ ظَنُّهُ لِذَلِكَ لَمَّا رَأَى مِنْ إِقْدَامِ عَلَمٍ، وَحَضَرَ أَصْفَهَدُوَسْتُ عِنْدَ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ، وَقَالَ: قَدْ رَاسَلَنِي الْخَلِيفَةُ فِي أَنْ أَلْقَاهُ مُتَنَكِّرًا.
فَلَمَّا مَضَى اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، حَضَرَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ وَالنَّاسُ عِنْدَ الْخَلِيفَةِ، وَحَضَرَ رَسُولُ صَاحِبِ خُرَاسَانَ، وَمُعِزُّ الدَّوْلَةِ جَالِسٌ، ثُمَّ حَضَرَ رَجُلًا مِنْ نُقَبَاءِ الدَّيْلَمِ يَصِيحَانِ، فَتَنَاوَلَا يَدَ الْمُسْتَكْفِي بِاللَّهِ، فَظَنَّ أَنَّهُمَا يُرِيدَانِ تَقْبِيلَهَا، (فَمَدَّهَا إِلَيْهِمَا) ، فَجَذَبَاهُ عَنْ سَرِيرِهِ، وَجَعَلَا عِمَامَتَهُ فِي حَلْقِهِ، وَنَهَضَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ، وَاضْطَرَبَ النَّاسُ، وَنُهِبَتِ الْأَمْوَالُ، وَسَاقَ الدَّيْلَمِيَّانِ الْمُسْتَكْفِيَ بِاللَّهِ مَاشِيًا إِلَى دَارِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ، فَاعْتُقِلَ بِهَا، وَنُهِبَتْ دَارُ الْخِلَافَةِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ بِهَا شَيْءٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute