ذِكْرُ مَوْتِ عِمَادِ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ عِمَادُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ بُوَيْهِ بِمَدِينَةِ شِيرَازَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَكَانَتْ عِلَّتُهُ الَّتِي مَاتَ بِهَا قُرْحَةٌ فِي كُلْيَتِهِ طَالَتْ بِهِ، وَتَوَالَتْ عَلَيْهِ الْأَسْقَامُ وَالْأَمْرَاضُ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالْمَوْتِ، أَنْفَذَ إِلَى أَخِيهِ رُكْنِ الدَّوْلَةِ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُنْفِذَ ابْنَهُ عَضُدَ الدَّوْلَةِ فَنَّاخِسْرُو لِيَجْعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ، وَوَارِثِ مَمْلَكَتِهِ بِفَارِسَ ; لِأَنَّ عِمَادَ الدَّوْلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ، فَأَنْفَذَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ وَلَدَهُ عَضُدَ الدَّوْلَةِ، فَوَصَلَ فِي حَيَاةِ عَمِّهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، وَسَارَ فِي جُمْلَةِ ثِقَاتِ أَصْحَابِ رَكْنِ الدَّوْلَةِ، فَخَرَجَ عِمَادُ الدَّوْلَةِ إِلَى لِقَائِهِ فِي جَمِيعِ عَسْكَرِهِ، وَأَجْلَسَهُ فِي دَارِهِ عَلَى السَّرِيرِ، وَوَقَفَ هُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالسَّلَامِ عَلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ وَالِانْقِيَادِ لَهُ، وَكَانَ يَوْمًا عَظِيمًا مَشْهُودًا.
وَكَانَ فِي قُوَّادِ عِمَادِ الدَّوْلَةِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَكَابِرِ يَخَافُهُمْ، وَيَعْرِفُهُمْ بِطَلَبِ الرِّئَاسَةِ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ أَكْبَرَ مِنْهُ نَفْسًا وَبَيْتًا، وَأَحَقَّ بِالتَّقَدُّمِ، وَكَانَ يُدَارِيهِمْ، فَلَمَّا جَعَلَ وَلَدَ أَخِيهِ فِي الْمُلْكِ، خَافَهُمْ عَلَيْهِ، فَأَفْنَاهُمْ بِالْقَبْضِ، وَكَانَ مِنْهُمْ قَائِدٌ كَبِيرٌ يُقَالُ لَهُ شَيْرَنْحِينُ، فَقَبَضَ عَلَيْهِ، فَشَفَعَ فِيهِ أَصْحَابُهُ وَقُوَّادُهُ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ بِحَدِيثٍ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ أُطْلِقَهُ فَعَلْتُ، فَحَدَّثَهُمْ أَنَّهُ كَانَ فِي خُرَاسَانَ فِي خِدْمَةِ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ، وَنَحْنُ شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ مِنَ الدَّيْلَمِ، وَمَعَنَا هَذَا، فَجَلَسَ يَوْمًا نَصْرٌ وَفِي خِدْمَتِهِ مِنْ مَمَالِيكِهِ وَمَمَالِيكِ أَبِيهِ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا سِوَى سَائِرِ الْعَسْكَرِ، فَرَأَيْتُ شَيْرَنْحِينَ هَذَا قَدْ جَرَّدَ سِكِّينًا مَعَهُ وَلَفَّهُ فِي كِسَائِهِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: أُرِيدُ أَنَّ أَقْتُلَ هَذَا الصَّبِيَّ، يَعْنِي نَصْرًا، وَلَا أُبَالِيَ بِالْقَتْلِ بَعْدَهُ، فَإِنِّي قَدْ أَنِفَتْ نَفْسِي مِنَ الْقِيَامِ فِي خِدْمَتِهِ.
(وَكَانَ عُمُرُ نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَدْ خَرَجَتْ لِحْيَتُهُ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ) إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، لَمْ يُقْتَلْ وَحْدَهُ بَلْ نُقْتَلُ كُلُّنَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَقُلْتُ لَهُ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ حَدِيثٌ، فَمَضَيْتُ بِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ، وَجَمَعْتُ الدَّيْلَمَ، وَحَدَّثْتُهُمْ حَدِيثَهُ، فَأَخَذُوا مِنْهُ السِّكِّينَ، فَتُرِيدُونَ مِنِّي بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُمْ حَدِيثَهُ فِي مَعْنَى نَصْرٍ أَنْ أُمَكِّنَهُ مِنَ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الصَّبِيِّ، يَعْنِي ابْنَ أَخِي؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute